اخر الاخبار

تنامت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة المشاريع الاستثمارية كالفنادق والمقاهي على ضفاف نهر دجلة في العاصمة بغداد، حيث يسعى العديد من المستثمرين إلى استغلال الموقع الجغرافي للنهر لجذب الزبائن، وترويج مشاريع ترفيهية.

مع انتعاش الاستثمارات من هذا النوع، يحذّر مراقبون من ظهور تأثيرات سلبية على البيئة والمناطق المحرمة المحيطة بالنهر.

أبرز التجاوزات

وقال الخبير في السياسات المائية رمضان حمزة، أن «التجاوزات على نهر دجلة، بدءاً من دخوله الحدود العراقية وحتى شط العرب، تمثل تهديداً كبيراً لهذا النهر الحيوي، الذي يُعتبر العمود الفقري للعراق».

وأضاف حمزة لـ «طريق الشعب»، أن «تخفيض مناسيب المياه أو التصاريف إلى حدودها الدنيا، يرجع إلى تداخل المصالح المشتركة مع ثلاث دول: تركيا تطلق كميات قليلة من المياه، أقل من المتفق عليه وهو 500 متر مكعب في الثانية. في حين تواجه سوريا مشاكل كبيرة في تشغيل السدود والزراعة، بالإضافة إلى سنوات الجفاف، مما يؤدي إلى تقليل تدفقات المياه إلى العراق».

وتابع حمزة، أنّ «التجاوزات على نهر دجلة تشمل أحواض السمك غير الرسمية، والبناء المخالف على ضفاف النهر، ما يعيق تدفق المياه، وبالتالي يشكل خطراً بيئياً واقتصادياً كبيراً». كما أشار إلى أن التعدي على «مناطق الفيضانات المحسوبة يعرض هذه المناطق لخطر الفيضانات في حال حدوث أي خلل في السدود مثل سد الموصل».

وأشار حمزة إلى أن بعض التجاوزات تحدث بسبب جهل بعض الجهات بأهمية المحافظة على محرمات النهر، ما يؤدي إلى إقامة مشاريع قريبة من مجرى النهر، واصفا تلك التجاوزات بأنها «خطيرة» على المنشآت نفسها، حيث أن أي فيضان سيجرف هذه المنشآت، ويؤدي إلى خسائر كبيرة.

ودعا حمزة الى الاستفادة من التجارب الدولية المتقدمة في تنظيم تشغيل السدود وضمان تدفق المياه بشكل مستمر، مشدداً على ضرورة أن يتبع العراق هذا النهج، خاصة في المناطق السياحية والزراعية.

ضرورة تحديد محرمات النهر

وأوضح أنّ «تجاوزات بناء المنشآت السياحية والزراعية بالقرب من النهر، تشوه المظهر الجمالي للنهر، وتعرض المنطقة لمخاطر بيئية»، مشيرا الى أن التخلص من هذه التجاوزات يتطلب «قوانين رادعة وتطبيقاً صارماً للتشريعات النافذة».

ودعا وزارة الموارد المائية إلى تحديد محرمات النهر ومنع التجاوزات، بالتنسيق مع الحكومة المحلية والشرطة النهرية والجيش، لرفع التجاوزات، التي تشكل تجاوزاً خطيراً على حصة المياه للمحافظة.

وأشار إلى أن «دعم الحكومة والشرطة المحلية والجيش لوزارة الموارد المائية في حملات مستمرة لإزالة هذه التجاوزات هو ضرورة ملحة. كما لفت إلى أن التجاوزات تشمل سحب المياه بشكل غير قانوني، ما يؤثر على حصة المياه للمحافظات الأخرى».

واختتم حمزة تصريحه بالتأكيد على أن «هذه المشكلات تحتاج إلى حلول جذرية وتشريعات قوية لحماية نهر دجلة، الذي يُعتبر شريان الحياة للعراق»، مشدداً على أن المحافظة على مجرى النهر وضمان تدفق المياه بشكل طبيعي ومستدام هي مسؤولية جماعية، تتطلب تضافر جهود الجميع.

اعتداءات على النهر

فيما رأى الخبير البيئي أحمد صالح نعمة، أن «نهر دجلة يتعرض لاعتداءات سواء من قبل الحكومة أو من المجتمع المحلي، والتي تتمثل برمي النفايات السامة والبلاستيكية وتحويل مساحات من النهر إلى مناطق زراعية أو سكنية بشكل غير قانوني. كما تواجه مياه النهر مشاكل كبيرة بسبب تقليص كميات المياه المتدفقة إليه من الدول المجاورة، خاصة من تركيا، التي تعتبر المورّد الرئيس للمياه في نهر دجلة».

وقال نعمة لـ»طريق الشعب»، إن «انخفاض مناسيب المياه في نهر دجلة وتغيير نوعية المياه، أفرزا تأثيرا سلبيا على نوعية الزراعة والمهن المتعلقة بالمياه. ومن بين أبرز الملوثات للنهر هي مياه الصرف الصحي التي تقذف بها بعض الوزارات الى النهر، ما يسبب تلوثًا كبيرًا، ويؤثر على البيئة والمجتمعات المحلية».

وعن المشاريع الاستثمارية كالفنادق والمقاه، ذكر نعمة أنها «يمكن أن تؤدي إلى تقليل المساحات الزراعية وتحويل الأراضي الخصبة إلى مناطق غير منتجة. كما أن البناء غير المخطط له بالقرب من النهر يمكن أن يعيق جريان المياه الطبيعي، ويزيد من خطر الفيضانات في المناطق المحيطة».

وحذّر نعمة من زيادة ظاهرة الاعتداء على الأراضي القريبة من نهر دجلة، حيث يمكن ان يؤدي إلى عدة أضرار بيئية واقتصادية واجتماعية؛ فالمشاريع الاستثمارية قد تسبب تلوثا للمياه والتربة، بسبب النفايات الصناعية والزراعية.

واكد أن «نهر دجلة يحمل تاريخا طويلا وثقافيا مهما، وأن التجاوز على أراضيه يؤدي إلى فقدان مواقع تاريخية وأثرية مهمة، لذا لا بد من اتخاذ خطوات تخطيطية وتنظيمية للحفاظ على البيئة الطبيعية وحماية الموارد المائية لضمان استدامة التنمية والمحافظة على التوازن البيئي». وأشار إلى أن انخفاض مناسيب المياه في نهر دجلة أدى إلى «جفاف وموت الأهوار في محافظة ميسان، ما يبرز الحاجة الملحة لمعالجة هذه القضايا البيئية لحماية الموارد المائية، والحفاظ على صحة البيئة والمجتمعات المعتمدة عليها».

ومنذ بدء انخفاض مناسيب المياه في نهريّ دجلة والفرات استثمر العديد من أصحاب رؤوس الأموال لضفاف النهرين في تشييد مطاعم ومقاهٍ عائمة ومشيدة. وتفاقمت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة جراء أزمة الجفاف وشح الأمطار التي عانى منها البلد، وأدت إلى انخفاض خطر في مناسيب الأنهر والسدود والبحيرات.

عرض مقالات: