اخر الاخبار

خلال السنوات الأخيرة تقلصت المساحات الخضراء في العراق بشكل كبير، نتيجة التقصير في إدامتها والتجاوز عليها من الجهات الحكومية والمواطنين عبر تجريفها وتحويلها إلى أراض سكنية وتجارية، فضلا عن التغيرات المناخية التي أتت على الكثير من تلك المساحات. ووفقا لاختصاصيين في المجالين الزراعي والبيئي، فإن المساحات الخضراء تعتبر حاجة ملحّة وليست ترفاً كما تراها بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية.

وزحف النشاط العمراني على الكثير من المساحات الخضراء داخل المدن وخارجها، ما انعكس سلبا على البيئة وساهم في زيادة تلوث الهواء والتغير المناخي، في وقت تشهد فيه البلاد درجات حرارة تصل إلى 50 مئوية، ما يهدد بتنامي ظاهرة التصحر بشكل كبير خلال الفترة المقبلة.

وتؤكد وزارة الزراعة أن البلاد بحاجة إلى زراعة أكثر من 15 مليار شجرة لتأمين غطاء نباتي يقضي على التصحر. فيما يرى اختصاصيون أن إعادة إحياء وتأهيل الغابات وزراعة المساحات بهذه الأعداد من الأشجار، يمكن أن يُعيد جزءاً من الهواء النقي إلى الأجواء العراقية، بعد تلوّثها بانبعاثات الصناعات النفطية وعوادم المولدات والمصانع وغيرها. ويعد العراق من بين أكثر البلدان تلوثا في العالم. واحتلت بغداد المرتبة 13 ضمن تصنيف المدن الملوثة عالميا خلال عام 2022 - حسب مسح عالمي سنوي أجرته شركة سويسرية لتصنيع أجهزة تنقية الهواء. ويفقد العراق سنوياً 100 ألف دونم زراعي جراء التصحر، وهذا ما أفاد به عام 2022 وزير البيئة السابق جاسم الفلاحي، وأكدته وقتها مدير عام دائرة الغابات والتصحر في وزارة الزراعة راوية مزعل.

وتلفت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة، إى ان مساحات الغابات في العراق لم تعد تشكل سوى 8250 كيلومتراً مربعاً، أي ما نسبته 2 في المائة من إجمالي مساحة البلاد.

وأتت مشاريع فك الاختناقات المرورية التي بدأت بتنفيذها أمانة بغداد منذ العام الماضي في العديد من مناطق العاصمة، على أعداد كبيرة من الأشجار المعمرة، لا سيما في الكرادة داخل وشارع أبي نؤاس، الأمر الذي قلص كثيرا من المساحات الخضراء. وقد تناقلت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسابيع، صورا تكشف عن تجريف مساحة خضراء جديدة في بغداد. حيث أقدمت أمانة العاصمة على إزالة الأشجار عن الجزرة الوسطية للشارع المؤدي إلى جسر الصرافية في منطقة العطيفية، لغرض بناء جسر جديد ضمن مشاريع فك الاختناقات!  

هل ستعوّض الحكومة المساحات الخضراء المفقودة؟!

عضو مجلس محافظة بغداد يحيى الخزعلي، يقول في حديث صحفي ان “هناك مساعي لتحويل مناطق في بغداد إلى مساحات خضراء. وقد تم تقديم مقترح لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإيقاف البناء والاستثمار داخل العاصمة للحد من الاكتظاظ السكاني وفسح المجال أمام إنشاء مناطق خضراء”، مؤكدا أن “السوداني وافق على هذا المقترح”.

وينوّه إلى أن “المناطق التي فيها مساحات خضراء تعاني وجود تجاوزات وأمور أخرى، لكن السوداني عازم على معالجة هذه الأماكن وتحويلها إلى مساحات خضراء، ومنها الشعبة الخامسة ومعسكر الرشيد”.

وكانت أمانة بغداد قد أعلنت في أيلول 2023، عن خطة زراعية تتضمن استحداث 108 حدائق وزراعة أكثر من 5 ملايين شتلة و375 ألف شجرة وشجيرة لزيادة المساحات الخضراء في العاصمة.

وأكدت وقتها في بيان صحفي، انها مستمرة في تنفيذ خططها بزيادة المساحات الخضراء والأماكن الترفيهية وتأهيل الحدائق والمتنزهات، تنفيذاً لتوجيهات رئيس الوزراء وخدمة لأهالي العاصمة.

مستقبل مرعب!

من جانبه، يقول عضو “مرصد العراق الأخضر” المعني بحماية البيئة، عمر عبد اللطيف، أن “المساحات الخضراء في البلاد تقلصت إلى 17 في المائة، بعد أن كانت تبلغ نحو 50 في المائة، وذلك بسبب التغيرات المناخية وشح المياه وعدم اهتمام المواطنين بالزراعة، إلى جانب التقصير الحكومي في إدامة المساحات الخضراء وزيادتها”.  ويوضح في حديث صحفي أن “العراق بحاجة إلى مساحات خضراء كثيرة، وان توفيرها يستغرق من عام إلى عامين. لذلك يجب المباشرة بهذه المشاريع مبكراً، لكون المستقبل مرعبا من ناحية التغيرات المناخية، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التلوث”. ويتابع عبد اللطيف قائلا أنه “في هذا العام لاحظنا ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير طبيعي، ما يتطلب إعادة النظر في كل خطط المشاريع، وجعل المساحات الخضراء هي الأساس لإنعاش الأجواء”.

جدير بالذكر أن المساحات الخضراء تعمل على تحسين جودة الهواء والصحة العامة وتوفير متنفسات للترفيه والترويح عن النفس. كما أنها تساعد على تخفيض درجات الحرارة وامتصاص الملوّثات، وعلى الحماية من الأشعة فوق البنفسجية وتقليل حدة الضوضاء والشعور بالاكتئاب.

حاجة ملحّة وليست ترفاً

إلى ذلك، يعزو الناشط البيئي فلاح حسن، غياب المساحات الخضراء في المدن إلى “اتباع بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية ما يسمى عسكرياً بـ(سياسة الأرض المحروقة). إذ تعتبر تلك الدوائر زراعة الأشجار ترفاً وجمالية وليست حاجة ملحّة”، مضيفا في حديث صحفي انه “متى ما تغير هذا المبدأ ستكون هناك مساحات خضراء في المدن وستحترم المشاريع وجود الأشجار وتحافظ عليها وتخصص نسبة من المساحة العامة للتشجير”.

ويؤكد أنه “في دول العالم هناك قوانين تمنع طغيان الأسمنت على المساحات الخضراء، لأن المباني تحتفظ بالحرارة في ظل غياب الغطاء النباتي. لذلك تعتبر المساحات الخضراء حاجة ضرورية ملحّة”.

ويواصل اختصاصيون في المجالين الزراعي والبيئي ومواطنون، مطالبة الحكومة ووزارة الزراعة والدوائر المعنية، بالاهتمام بالتشجير وزيادة المساحات الخضراء واستحداث غابات جديدة، فضلا عن دعم المبادرات الأهلية في هذا الخصوص.