اخر الاخبار

يخرج محمود حسين (12 عاما) صباح كلَّ يوم متوجها الى سوق الهواء الشعبي في منطقة الزعفرانية، ليبيع اكياس النايلون الى من يرغب من المتبضعين، ويساعدهم في حمل ما يشترون من سلع وخضراوات، ليعود في نهاية اليوم ومعه مبلغ لا يتجاوز 10 آلاف دينار. يعطيها لوالدته التي تدبر متطلبات المنزل، كون والده مقعدا، ولا يقوى على الحركة.

في اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، يبدو أنه لا توجد مكافحة حقيقية لعمل الأطفال في العراق؛ فالواقع يشير إلى تحوله إلى ظاهرة رائجة تكيّف معها المواطنون، حتى وصلت حد الاستغلال من بعض الجهات، وصولا إلى تأسيس شركات للتسول، وظهور أعمال يكون الطفل أداتها الرئيسة.

محمود.. يعمل ويدرس

يقول محمود لـ”طريق الشعب”، ان والده مقعد وانه طالب مدرسة ويعمل في آن واحد: “باستثناء ايام الامتحانات اتفرغ للدراسة ولا اخرج للعمل، حتى تمكنت هذا العام من تحقيق الاعفاء بكامل المواد الدراسية”.

ويضيف، “انا في السوق لا أبيع الأكياس فقط، إنما أساعد النساء على نقل أغراضهن من المحال التجارية إلى بيوتهن”، لافتا الى القول “حين دخلت السوق اول مرة، لم أكن أعرف أحداً، حتى أنني تعرضت للضرب من قبل أطفال في نفس عمري باعتباري منافساً جديداً لهم. ومع مرور الوقت، أصبحوا أصدقائي. الكثير من الاطفال يعملون في السوق، سواءً بمجال بيع الأكياس أم أعمال أخرى كحمالين، وفي توصيل الطلبات أو الشاي”.

وزارتان تتحملان المسؤولية

تقول عضو لجنة المرأة والأسرة والطفولة البرلمانية كفاح السوادني: ان “كل ما يطرح دخل اللجنة بخصوص مناهضة عمالة الأطفال هي مجرد أفكار، لم ترتقِ بعد الى مستوى مقترحات قانونية”.

وتضيف لـ”طريق الشعب”، ان “العراق وعلى الرغم من انه في مقدمة البلدان المصادقة على الاتفاقيات الدولية لمناهضة عمالة الأطفال، إلا انه يفتقر إلى جدية الجهاز التنفيذي في تطبيق بنود هذه الاتفاقيات، الامر الذي جعله في مقدمة البلدان التي تعاني من انهيار واقع الطفولة”.

وتذكر، أن “هناك الكثير من المتنفذين يعملون لتحقيق مصالحهم الخاصة، بعيدا عن المصلحة الوطنية”، محملة وزارتي الداخلية والعمل مسؤولية عدم محاسبة المخالفين للاتفاقيات والقوانين الدستورية، التي تصب في مصلحة الطفل.

قانون حماية الطفل

رئيسة لجنة المرأة والاسرة والطفولة البرلمانية دنيا الشمري، قالت لـ”طريق الشعب”، ان “اللجنة تحرص على الاسراع في اقرار قانون حماية الطفل، الذي يتضمن فرض عقوبات على الاسر وارباب العمل، الذين يستغلون الاطفال في اعمال ومهن صعبة وخطرة، من بينها التسول”.

واضافت الشمري، ان “الحكومة، ولمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عمالة الاطفال، عملت على اتخاذ عدة اجراءات لتحسين دخل السر المتعففة، منها المنحة الطلابية ومساندتهم في توفير متطلبات التعليم لابنائهم”.

أسباب عمالة الأطفال

بدوره، عدّ رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، هذا اليوم “فرصة للتأكيد على المشاكل التي تُعيق تطور الطفولة في العراق”.

وقال الغراوي في حديث مع “طريق الشعب”: أن “الأطفال في العراق ما زالوا يعانون من مشاكل وعوائق مرتبطة بحقوق الإنسان، إضافة الى تحديات مجتمعية عديدة”.

وأضاف، ان “العراق يحتل المرتبة الرابعة في عمالة الاطفال بعد اليمن والسودان ومصر”، مشيرا الى ان نسبة عمالة الأطفال في السودان تصل الى 12.6 في المائة، وفي اليمن إلى 13.6في المائة، وذلك للفئات العمرية التي تتراوح بين (4- 15) عاما، وينطبق ذلك على مصر والعراق أيضًا؛ ففي مصر يعمل نحو 1.2 بالمائة ضمن الفئة العمرية من 4 - 15 عامًا. أما في العراق، فتصل النسبة إلى 4.9 في المائة لذات الفئات العمرية.

وتابع الغراوي، أن “الأسباب المؤدية لارتفاع عمالة الأطفال تشمل النزوح، العنف الأسري، وضعف التشريعات القانونية، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية التي تُسهم في ارتفاع معدلات البطالة والفقر”، مضيفا انه “على الرغم من المصادقة على الاتفاقيات الدولية، تبقى نسب عمالة الأطفال في العراق مرتفعة، ما يُحتم الحاجة إلى بذل جهود أكبر لحماية حقوق الأطفال وضمان مستقبل أفضل لهم”.

مهن خطرة

فيما قال رئيس جمعية حماية وطوير الاسرة حقي كريم: ان “غياب قانون التعليم الإلزامي وارتفاع نسب الطلاق في مقدمة الأسباب التي ادت الى ارتفاع نسب عمالة الأطفال، واستغلالهم من قبل عصابات التسول، إضافة الى اضطرار الكثير من العوائل الذين يعانون من فقر شديد لتوجيه أطفالهم الى العمل”.

وتطرق كريم الى مخاطر العمل التي تواجه الطفولة في العراق، قائلا: ان “هناك ما بين 30 -40 بالمائة من الأطفال يعملون في مهن صعبة، منها ورش تصليح مركبات الحمل الكبيرة والنجارة والحدادة”.

وذكر انه “على الرغم من الزيارات المتكررة لفرق تفتيش وزارة العمل إلى ورش عمل الحدادة التي تزدحم فيها عمالة الأطفال، لم نلحظ أية إجراءات رادعة بحق المخالفين”، منبّها الى ان هناك الكثير من الاطفال تعرضوا الى اصابات عمل، ومنهم من توفي بسبب مخاطر العمل، بينما لم يلقوا اي تعويض او رعاية صحية”.

ونبّه الى وجود ضرورة ملحة ان تعمل الحكومة على مناقشة برامج عمل كفيلة بتغير واقع الطفولة في البلاد في مقدمتها جعل التعليم الزامي وتحسين الواقع الاقتصادي للاسر، خاصة وان البلاد من الدول التي صادقت على اتفاقيات مناهضة عمالة الاطفال.

دورات صيفية ترفيهية

بدورها، أكدت الباحثة الاقتصادية حوراء الياسري في تصريح صحفي، أنّ “شوارع العاصمة بغداد والمحافظات مليئة بالأطفال العاملين والمتسوّلين، بسبب الوضع الاقتصادي المتردّي السائد في العراق”، موضحا أنّ “التقارير الدولية تبيّن أنّ نحو أربعة ملايين عراقي هم تحت خط الفقر، غالبيتهم من الأطفال”.

ولفتت إلى أنّ إحصاءات وزارة التخطيط تفيد بأنّ عمالة الأطفال تمثّل ما بين 1 و2 في المائة من سوق العمل، محذرة من أنّ “عمالة الأطفال تمثّل خطراً كبيراً، لأنّها وصلت إلى المرحلة الأشدّ سواءً في تاريخ البلاد، بسبب قوانين الدولة المشلولة التي لم تعالج أصل المشكلة المتعلقة بالوضع الاقتصادي المتردّي لعائلات كثيرة تزجّ بأبنائها في سوق العمل”.

وذكرت الياسري، أنّ “قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق تنصّ على معاقبة المتسبّب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح ما بين غرامة مالية ووقف التصريح المعطى لربّ العمل، أو حتى وقف النشاط”، مضيفةً أنّ “قانون الاتّجار بالبشر يعاقب من يستغلّ شخصاً لا يعي حقّه، مثل الأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية”.

وشرحت، أنّ الحدّ يكون من خلال “العمل على تحسين الوضع المعيشي للعائلات المتعفّفة، عبر منحهم القروض الميسّرة، ومراقبة ربّ الأسرة، والاستحصال على تعهّدات خطية بعدم زجّ أطفاله في سوق العمل مقابل تلك القروض”.

وشدّدت الياسري على “وجوب أنّ يكون لوزارة الشباب والرياضة في العراق دور مهم، من خلال زيادة الأنشطة الرياضية التي تستقطب الأطفال بالتنسيق مع وزارة التربية وتكثيف تلك الانشطة خلال العطلة الصيفية، وإعداد دورات صيفية ترفيهية. كذلك تفعيل برامج التعليم المسرّع لإعادة الأطفال إلى مقاعد الدراسة بالقدر الممكن”.

إهمال حكومي

وفي السياق، أفاد مدير مركز الشباب في الزعفرانية سمير عبد الله، ان “مراكز الشباب التابعة الى وزارة الشباب والرياضة كانت في السابق تطلق في العطلة الصيفية العديد من البرامج الرياضية والثقافية والفنية، لاستقطاب الاطفال كلا حسب اهتماماته وموهبته”، منبها الى ان المركز وقبل منح بنايته لمستثمر حولها الى كلية اهلية، كان يضم مدربين لتعليم الاطفال السباحة والملاكمة، وفيه قاعة مخصصة لدورات تعليم الحاسوب، وفن المسرح الصامت والأناشيد والرسم، اضافة الى فرق كرة الطائرة والقدم والسلة”.

واستهجن عبد الله، “اهمال المؤسسات الثقافية والرياضية والترفيهية ومحاربتها عبر احالة مؤسساتها الى الاستثمار من قبل القطاع الخاص، كتحويل مراكز الشباب التي كانت تستقطب الاطفال الى بارك لوقوف السيارات بدلا من دعمها وتأهيلها”، مشيرا الى ان ذلك “ساهم في انخراط الاطفال ضمن توجهات اخرى، نتيجة الفراغ، بل وصل حال البعض منهم الى التورط في انشطة غير قانونية، من قبيل السرقة والتسوّل، وجمع القمامة وبيع المخدرات”.

عرض مقالات: