أسست الحكومات المتعاقبة بعد عقدين من التغيير عشرات الصناديق التي كان الهدف منها التنمية وخلق فرص العمل والقيام بحملات الاعمار وغيرها، لكن كل تلك الصناديق تشترك في كونها لم تنجز ما أنشئت من اجله.
حكومة السوداني أسست هي الأخرى صندوق العراق للتنمية في العام 2023، وقد وضع عدة اهداف تستهدف ستة أنشطة مهمة، حيث وقعت 17 مذكرة تفاهم مع 17 شركة مختلفة، فيما أعلن تحقيق استثمارات بنحو 1.5 مليار دولار.
واقتربت قيمة إجمالي الاستثمارات هذه المذكرات من مليار ونصف المليار دولار، في مجال الصناعة والزراعة وإنتاج الغاز. وفي الوقت الذي يؤكد فيه أصحاب الاختصاص على انه من المبكر تقييم عمل الصندوق، شددوا على ضرورة الاستفادة من التجارب السابقة وابعاد المتنفذين والفاسدين عن الصندوق بغية تحقيق أهدافه.
تنموي غير ربحي
في هذا الشأن، قال مستشار رئيس الوزراء لشؤون الاستثمار محمد النجار: ان «الصندوق غير ربحي وهدفه تنموي، يعمل على جذب الاستثمارات لأغراض التنمية، على عكس الصناديق السابقة والتي كانت تمول من الموازنات العامة، حيث طريقة عملنا اليوم، تتلخص بجذب المستثمرين».
وأوضح في حديثه مع «طريق الشعب»، ان «الصندوق سيستثمر بـ 6 أنشطة مختلفة لدينا فيها ازمات: سيعمل الصندوق على حل هذه الازمات، وهذه القطاعات هي البيئة والصناعة والزراعة والسكن والتعليم والتحول الرقمي».
ولفت الى ان «أحد اهداف صندوق التنمية هو التطوير الاجتماعي، وعلى اساسه انطلقنا بمشروع المدارس الاستثمارية، حيث أن الدولة ليس لديها امكانية بناء 8500 مدرسة، وقمنا بالفعل بطرح الموضوع للاستثمار، حيث أطلقنا 400 مدرسة للاستثمار، بينما تقدمت طلبات بناء 2000 عن طريق الاستثمار. وفي قادم الايام سنطلق مدارس أخرى. هذا المشروع من اهم المشاريع، لأن مستقبل العراق متعلق بالتعليم، لذلك ينبغي تغيير الواقع التعليمي الحالي».
وبالنسبة لبقية المشاريع قال النجار، وهو المدير التنفيذي للصندوق: انها «متنوعة، قسم منها صناعية وأخرى زراعية ومصرفية وخدماتية. الدولة اليوم غير قادرة على ان توفر كل شيء، وإن وفرته فلن يكون بالشكل الصحيح»، مبينا ان «الدول اليوم تسعى لتوفير الامن والمناخ المناسب لجذب الاستثمارات. هذه الاستثمارات من المؤمل لها ان تغير واقع العمل في العراق، وستخلق فرص عمل لا تقدر الدولة على توفيرها».
ونوه بان انعكاسات نجاح صندوق التنمية «ستظهر من خلال توفير فرص عمل كبيرة جداً، وتدريب شبابنا بمختلف المجالات عن طريق المستثمرين وخبراتهم، واسترجاع كفاءاتنا البشرية التي فقدناها بشكل تدريجي، نتيجة الهجرة».
ما هي متطلبات نجاحه؟
من جهته، شدد رئيس مركز بغداد للتنمية الاقتصادية، د. محمد صباح على أهمية أن يكون الصندوق تحت اشراف مباشر من رئيس الوزراء، وان لا يرتبط بجهات لها صلة بالدولة العميقة، حتى يمكن محاسبة اي مسؤول قد يقصر في عمله، ولكي نضمن عملا رصينا ومستقيما».
وفي ما يخص تقييم عمل الصندوق، قال: ان «من الصعب التقييم الان، لكن حتى الان يمكن القول ان العمل مستقيم تقريبا، لان توجهات الصندوق تتمحور حول تحقيق ايرادات مالية للقطاعات الاقتصادية غير النفطية، وتنمية قطاعات مهمة في الصناعة والزراعة والتنمية المستدامة، وايجاد فرص عمل وبناء وسكن وقضايا البنية التحتية».
واكد في حديثه مع «طريق الشعب»، ان المهم هو ان «برامج هذا الصندوق تطرح للقطاع الخاص. اي ان القطاع الخاص يكون شريكا اساسيا، وان يبتعد القطاع العام عن موضوع الاستثمار في هذا الصندوق».
ويأمل صباح ان «يسير الصندوق بالاتجاه الصحيح كما تعمل الدول اليوم، وكيف انها استطاعت ان تتقدم خطوات بالاعتماد على القطاعات غير النفطية، وخلق فرص عمل حقيقية. وفي دولة مثل العراق من المهم جذب الكتلة النقدية المكتنزة لدى المواطنين، ومنحها دورا استثماريا صحيحا وآمنا».
وأردف بالقول ان «الصناديق السابقة لم يكتب لها النجاح، حيث رصدت لها اموال وظلت تعزز من موازنة الدولة، وكانت هذه فرصة امام اصحاب النفوذ والسلطة للاستيلاء عليها دون ان تحقق اي مشاريع تستفيد منها الدولة».
توفير الامن والبيئة المثالية للاستثمار
الى ذلك، قال الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان: «اننا بحاجة الى متابعة وابعاد هيمنة القوى الفاسدة والغاء الروتين والبيروقراطية، وتوفير الامن والمناخ المناسب للاستثمار؛ فهذه العوامل تعرقل عمليات التنمية وتنفيذ المشاريع، انما كانت أسبابا رئيسية في عدم نجاح الصناديق السابقة».
واضاف في حديث مع «طريق الشعب»، ان «صندوق التنمية حتى الان لم تظهر نتائجه على ارض الواقع، وهو ايضاً لم يستهدف انشاء مشاريع عملاقة او مشاريع استراتيجية»، لافتا الى ان «الأهداف الموضوعة لهذا المشروع ينبغي ان تقترن بعمل جاد على ارض الواقع ورقابة صارمة، وتحمل للمسؤولية».
ونوه أنطوان بان نجاح الصندوق مرتبط «بمحاربة البطالة وتوسيع عمل القطاع الخاص وابتعاد الصندوق عن القطاع العام والمتنفذين والفاسدين، واشراك الاتحادات والنقابات، وتفعيل الشركات التي عانت تلكؤا طيلة السنوات السابقة».
وشدد أنطوان في سياق حديثه على ضرورة «تحديد الاهداف والمبالغ المالية والمشاريع التي يعمل عليها، واختيار الاشخاص الكفوئين المعروفين بنزاهتهم ووطنيتهم لإدارة هذه الصناديق، وتجنب هدر الاموال بدون جدوى».