اخر الاخبار

في الوقت الذي يستعد فيه العالم، للاحتفاء باليوم العالمي للبيئة، غدا الأربعاء، لا تزال البيئة العراقية تواجه تحديات جسيمة تتعلق بالتلوث البيئي وسوء الإدارة البيئية، بعد نصف قرن من الإهمال والعبثية وتهميش هذا الملف.

ويواجه العراق أزمة مياه متفاقمة بسبب انخفاض مستويات الأنهار الرئيسية (دجلة والفرات) نتيجة للسدود التي أُنشئت في دول المنبع (تركيا وإيران)، حيث انخفضت مستويات المياه إلى أكثر من 50 بالمئة مقارنةً بما كانت عليه في القرن العشرين، وتقدر نسبة السكان الذين لا يحصلون على مياه نظيفة بحوالي 15 بالمئة، مع وجود تحديات كبيرة في المناطق الريفية.

تراجع التنوع الإحيائي

من جانبها، أكدت وزارة البيئة، أخيراً، ان النظم البيئية في العراق تتعرض للعديد من التهديدات، في ما حددت ثلاثة شروط للمحافظة على التنوع الإحيائي في العراق.

وقالت مدير عام الدائرة الفنية في الوزارة، نجلة محسن الوائلي: إن «التنوع الإحيائي ضروري لحياة الإنسان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إذ تشمل الاستخدامات المباشرة جوانب مثل الغذاء والأدوية واستخدامات إحيائية متعددة، في حين تشمل الاستخدامات غير المباشرة خدمات النظام البيئي مثل تنظيم الغلاف الجوي ودورة المياه والمواد المغذية إضافة إلى المواد الخام الصناعية وما إلى ذلك».

وأضافت، أن «التنوع الإحيائي يلعب دوراً فعالاً في توفير الموارد الوراثية المختلفة للزراعة التي تعد مهمة للأساس الحيوي للأمن الغذائي العالمي ودعم الحياة البشرية»، مؤكدة أن «النظم البيئية في العراق توفر مجموعة واسعة من الخدمات للبشر الذين يعيشون في كل من البيئات الحضرية والريفية».

ولفتت إلى أن «النظم البيئية والتنوع الإحيائي في العراق تتعرض للعديد من التهديدات مثل تغير المناخ وندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار، والتي أدت إلى تدهور النظم البيئية والتنوع الإحيائي فيها».

وتابعت، أن «من أهم أسباب تراجع التنوع الأحيائي فقدان الموائل وتفتيتها وعزلها، وعلى سبيل المثال فقدت أهوار بلاد ما بين النهرين أكثر من 90 بالمئة من مساحتها الأصلية بسبب سياسة تحويل المياه خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، كما أن زيادة كمية الغازات الدفيئة تمثل العامل الرئيس في حدوث ظاهرة الاحتباس أو الاحترار العالمي».

وأشارت إلى أن «جهود المحافظة على التنوع البيولوجي تتطلب تسجيل وتوثيق الأنواع والتصنيف المرجعي للكائنات المحلية والحفظ الوراثي، وكذلك إعلان المحميات وتسجيلها، بالإضافة إلى التشريعات والقوانين المتعلقة بحماية التنوع البيولوجي».

نريد أفعالا لا أقوالا

من جهته، قال الأكاديمي والخبير في الشأن البيئي، د. شكري الحسن، لمناسبة اليوم العالمي للبيئة: اعتقد ان الاحتفاء بمثل هذا اليوم هو بمثابة تذكير لبني البشر، بأنهم يجب ان يصونوا البيئة التي يعيشون فيها، ان يصونوا هذا الكوكب لأنه ليس لديهم بديل للعيش غير هذا الكوكب وغير البيئة التي يحويها، وان اي اضرار بهذه البيئة ستنعكس نتائجه سلباً على معيشتهم وعلى حياتهم وعلى صحتهم وعلى ارزاقهم

وأضاف الحسن قائلاً لـ «طريق الشعب»، انه «يجب ان نعي ضرورة الحفاظ على البيئة بكل ما تحويه من مكنونات حية او غير حية، والا فان الحياة ستغدو أكثر صعوبة في المستقبل، إذا ما اوغلنا في تدمير البيئة وفي تلويثها وفي تحطيمها وفي الانتقاص منها».

وأشار الى ان «الاحتفاء بيوم البيئة تذكير لنا جميعا، باننا يجب ان نعي هذه النعمة ونحميها ونصونها، ففي العراق هناك اليوم جملة من المخاطر التي تهدد بيئة هذا البلد. لدينا تهديدات جدية تتعلق بالتلوث، وأنهارنا ملوثة وهواؤنا وترابنا ملوث، وهذا يعني مزيدا من الامراض والاعتلال في صحة الناس».

وتابع الحسن قائلاً: «لدينا ايضا تهديد جدي، بسبب الاثار التي يكلفها التغير المناخي وشح المياه وندرتها والتصحر والجفاف والارتفاع المفرط في درجات الحرارة ومعدلات التبخر العالية، كلها تلقي بظلالها على بيئة هذا البلد وتزيد من صعوبة الظروف المعيشية فيه، وتؤدي الى تآكل النظام البيئي، الذي يعد اساس الحياة في كل منطقة».

ونوه الى ان هناك نوعا اخر من التهديدات «يتمثل بالتوسع العمراني، على حساب الاراضي الخضراء، وهذا نتيجة الزيادة السكانية والنمو الحضري وغيرها»، مؤكداً ان هذا يسبب «تداعيات وخيمة نتيجة فقدان الاراضي وكل ما تحويه من مزايا وفوائد».

وفي ما يخص التحديات البيئية قال: ان «التحديات كثيرة، ويغذيها الانفجار السكاني، الذي يسبب المزيد من الضغط والاعباء على بيئتنا، وبالتالي المزيد من التدهور والتداعيات الجسيمة».

وقال الخبير البيئي ان «حجم الضرر الذي اصاب بيئة العراق كبير، ولدينا خسائر لا يمكن تعويضها، وخسائر غير قابلة للإصلاح على مدى العقود الماضية: فقداننا لبساتين النخيل التي كانت تشتهر بها البصرة، امر غير قابل للتعويض، وفقداننا لاجزاء كبيرة من اهوار جنوبي العراق امر يصعب اصلاحه وان كانت هناك محاولات ترقيعية. بينما الضرر الناتج عن تلويث الهواء والتربة ينطوي على مصاعب بيئية كثيرة».

واقع بيئي مأزوم

رئيس مركز حقب للإغاثة والتنمية المستدامة، حيدر رشاد اكد ان «هذه المناسبة يجب ان تكون منطلقا للتفكير الجاد بمشاكل البيئة وما تعانيه والتعامل بإيجابية مع البيئة لكي تكون صحية ومناسبة للعيش تقل بها المشاكل عموماً و الصحية خصوصاً الناجمة عن تلوث الهواء والماء والتربة»، مناشداً الحكومة الالتفات الى بيئة العراق المتضررة منذ نصف قرن او اكثر، ولا تزال الاثار السلبية على البيئة بازدياد مستمر.

وقال رشاد في حديث مع «طريق الشعب»، ان «القضايا البيئية لم تؤخذ بنظر الاعتبار منذ 50 عاما، ونتيجة لذلك تراكمت الاثار البيئية السلبية السيئة على العراق، الذي كان يسمى بأرض السواد لكثرة الزراعة. بلد كان يمتلك 30 مليون نخلة، بينما اصبح عددها اقل من مليون نخلة قبل سنوات. لم تكن هناك رعاية او اهتمام في القضايا البيئية اطلاقاً».

وعزا رشاد أسباب الأداء الضعيف والقاصر بموضوعات البيئة الى تقييد وزارة البيئة وضعف صلاحياتها، وتحويلها الى جهة رقابية اكثر من كونها تنفيذية، إضافة لانعدام التخصيصات المالية في الجانب الاستثماري لها.

وأضاف، ان « المشرع يخصص مبالغ لأمانة بغداد وبلديات المحافظات، يقال انها تستخدم لتصحيح الاثر البيئي»، مشدداً على ان «وزارة البيئة، وزارة سيادية ويجب ان يكون لها قوة قرار كبيرة جدا، لا ان تكتفي بتقديم الدراسات والتوصيات».

ورأى المتحدث ان فترة عقدين من الزمن، من إضعاف هذه الوزارة وتجريدها من صلاحياتها الواسعة وعدم إطلاق يدها، هي عامل مؤثر بشكل كبير.

واشار رشاد الى انه «في بغداد الان حوالي 12 ألف طن يومياً من النفايات تطرح من قبل المواطنين والمصانع والشركات والمعامل والمتاجر، في مقابل عدم وجود مصانع لتدوير تلك النفايات ومعالجتها وانتاج الطاقة الكهربائية منها، كما هو معمول في كل دول العالم».

وزاد قائلاً: ان «وزارة البيئة تعمل في وادٍ، وامانة بغداد في واد آخر، وبلديات المحافظات في واد ثالث. والى الان نحن نعاني من كمية نفايات هائلة جدا في العراق، تصل تقريباً لحوالي 32 الف طن يومياً، ولا يوجد مطمر صحي في بغداد او اغلب المحافظات».

أما آن الأوان لأن نأخذ هذا اليوم وملفه على محمل الجد، وان نحوله الى فرصة للتفكير في الأزمات البيئية التي تعصف بالبلاد، بدءاً من تلوث الهواء والماء وصولاً إلى تدهور الأراضي وتهديدات التنوع البيولوجي وموجات الانقراض الجماعية التي تواجهها كائناتنا الحية الفريدة؟

ففي الوقت الذي تعهد فيه رئيس الوزراء بإيلاء هذا الملف أولوية واهتماما، ووضع برامج عدة في منهاجه الحكومي، نجد ان التخصيصات المالية للوزارة لا ترتقي أبداً الى حجم الواقع البيئي المأزوم الذي نواجهه، إذ لا تزال وزارة البيئة «جهة رقابية» مقيدة في الصلاحيات. في الوقت الذي نعاني فيه من آثار الصناعات النفطية والإدارة غير الفعالة للنفايات، وانعدام السياسات البيئية الصارمة.

التلوث الهوائي

وتساهم مصادر التلوث الصناعي والنقل في ارتفاع مستويات التلوث الهوائي في المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة. وتشير التقديرات إلى أن مستويات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) تتجاوز بكثير الحد الآمن الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية.

وللإيضاح فان PM2.5 هي جسيمات دقيقة ملوثة للهواء ذات قطر يقل عن 2.5 ميكرومتر، وهي صغيرة جداً بحيث يمكنها اختراق الرئتين ودخول مجرى الدم، ما يتسبب في مشاكل صحية خطرة مثل أمراض القلب والرئة، والسكتات الدماغية، والسرطان.

وتتكون هذه الجسيمات من مواد كيميائية متنوعة مثل الكبريتات والنترات والكربون الأسود والمواد العضوية الأخرى، وتنشأ من مصادر متعددة بما في ذلك، احتراق الوقود في المركبات، والانبعاثات الصناعية، وحرق الفحم والنفط، والحرائق الزراعية والغابات.

وتعتبر الـ PM2.5 من أخطر أنواع ملوثات الهواء بسبب حجمها الصغير وقدرتها على الانتشار في الجو لمسافات طويلة والبقاء في الهواء لفترات طويلة.

وتهدد مشكلة التصحر 39 بالمئة من أراضي العراق، مما يؤثر على الإنتاج الزراعي والغطاء النباتي، فيما بلغت نسبة الأراضي الزراعية المتدهورة حوالي 54 بالمئة في السنوات الأخيرة.

التنوع البيولوجي

وتأثرت أهوار جنوب العراق بشدة من التغيرات المناخية وانخفاض مستويات المياه، مما أدى إلى تراجع كبير في أعداد الأنواع الحيوانية والنباتية، وانقراض أنواع عديدة منها، وتقدر الدراسات أن حوالي 60 بالمئة من الأراضي الرطبة في هذه الأهوار قد جفت منذ الثمانينات والى يومنا هذا.

ونزح أكثر من 130,000 شخص بين عامي 2016 و2023 بسبب تأثيرات التغير المناخي، مع توقعات بزيادة هذا العدد إذا استمرت الظروف الحالية، بينما يقول مختصون ان الأرقام أكبر بكثير وقد تجاوزت حاجز المليون على مدار سنوات.

أرضنا.. مستقبلنا

الأمم المتحدة قالت عبر موقعها الرسمي ان «النظم البيئية تواجه تهديدات متزايدة في جميع أنحاء العالم. بدايةً من الغابات والأراضي الجافة إلى الأراضي الزراعية والبحيرات، وتصل تلك المساحات الطبيعية والتي تعتمد عليها وجود البشرية مرحلة الانهيار».

وأضافت انه وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإن «ما يصل إلى 40 في المئة من أراضي الكوكب متدهورة، مما يؤثر بشكل مباشر على حوالي نصف سكان العالم. كما زاد معدل مدة الجفاف بنسبة 29 في المئة منذ عام 2000 – وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة، قد تؤثر حالات الجفاف على أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم بحلول عام 2050».

وأكدت ان «استعادة الأراضي تعد ركيزة أساسية لعقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم البيئية (2021-2030)، وهو نداء عالمي لحماية وإحياء النظم البيئية في جميع أنحاء العالم، وهو أمر حاسم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة».

وأشارت الى انه لهذا السبب «سيركز اليوم العالمي للبيئة 2024 على استعادة الأراضي، ووقف التصحر وبناء مقاومة الجفاف تحت شعار «أرضنا مستقبلنا».. «معا نستعيد كوكبنا»، مبينة انه «لا يمكننا إعادة الزمن إلى الوراء، لكن يمكننا زراعة الغابات، وإحياء مصادر المياه، وإعادة التربة. نحن الجيل الذي يمكنه التعايش بسلام مع الأرض».

وتجدر الإشارة الى ان العام 2024 سيوافق الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وستعقد الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف  COP 16لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر NCCD في العاصمة السعودية، الرياض، في الفترة من 2 إلى 13 كانون الأول 2024.