اخر الاخبار

يواجه تطبيق نظام الدفع الالكتروني منذ إعلان وزارة النفط اعتماد في محطات تعبئة الوقود، مشاكل وجدلا شعبيا خاصة من قبل أصحاب سيارات الأجرة، الذين يعربون عن شكوكهم ومخاوفهم من احتمالية الاحتيال.

ويعد أحد أبرز الأسباب وراء هذا التردد هو انعدام الثقة في النظام المصرفي، إضافةً إلى غياب الوعي الكافي بثقافة الدفع الإلكتروني. ومع استمرار هذا التباين في الآراء والمواقف، يبدو أن الجدل حول تبني نظام الدفع الإلكتروني في محطات الوقود سيظل مستمرًا في الأيام القادمة.

استقطاع

عصام مجيد، سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 45 عاما، أعرب في حديث لـ «طريق الشعب» عن قلقه وقلق العديد من المواطنين من استخدام البطاقة المصرفية في محطات الوقود.

وقال مجيد، إن السبب الرئيس وراء هذا التخوف هو «توقعات المواطنين باستقطاع مبالغ أكبر من قيمة البنزين عند إدخال البطاقة لجهاز السحب، نظراً لعدم كفاءة معظم العاملين في محطات الوقود في التعامل مع أجهزة الدفع الإلكتروني، او لوجود خلل في البطاقة او الية الدفع».

واضاف مجيد، ان تطبيق هذه الالية لم يسبق بتنظيم دورات تدريبية لهؤلاء العاملين من اجل تحسين مهاراتهم في هذا المجال، بالإضافة إلى ضرورة توعية المواطنين وتوفير البطاقات المصرفية بشكل مجاني، بدلاً من فرض رسوم تتجاوز 10 الاف دينار للحصول على البطاقة. فيما أشار إلى أن هذا «الوضع أدى إلى ظهور نوع جديد من التجار الذين يقومون بسحب البنزين من محطات الوقود بطرق متنوعة وبيعه في الطرقات للأشخاص الذين لا يمتلكون بطاقات مصرفية أو يخشون استخدامها».

وفي ختام حديثه، انتقد مجيد القرار باعتباره مستعجلاً، كما أن البنية التحتية في العراق ليست جاهزة بعد للتعامل الإلكتروني بشكل كامل، ما يعوق الانتقال من النقد إلى الدفع الإلكتروني، لافتا إلى أن العديد من المواطنين، وخاصة غير الموظفين، لا يملكون بطاقات الماستر كارد التي تُعد أساسية للتعامل مع الجباية الإلكترونية بشكل جيد.

يشار إلى أن القطاع المصرفي العراقي مهمل من قبل المواطنين الذين فقدوا الثقة به. وبحسب أرقام البنك الدولي فإن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم.

تجربة حديثة

يقول المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد، ان «الحكومة العراقية قررت اعتماد نظام الدفع الإلكتروني في التعاملات المالية»، مؤكداً أن «هذه الخطوة تمثل مسؤولية المصارف».

 وأوضح جهاد في حديث خص به «طريق الشعب»، أن «الأعداد الكبيرة من المستخدمين وانقطاع الكهرباء هي من العوامل الرئيسة التي تتسبب في تأخير عمليات الدفع»، نافيًا وجود أي فشل في النظام ذاته «حيث يتم تداول العشرات من الدنانير يومياً عبر محطات التوزيع».

وأضاف، أن «أي تأخير يحدث يعود إلى الأعداد الكبيرة والتجربة الجديدة، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء الذي يؤثر على عملية الدفع»، مبينا أن «المصارف والكهرباء هما السبب في التأخير، وأنه لا يوجد أي فشل في النظام».

وواصل القول: أن مثل هذه التجارب الجديدة قد تواجه مشاكل في البداية، مردفا أن تلك المشاكل خارج إرادة وزارة النفط، معتقدا انها «ستُحل مع مرور الوقت واستمرار التجربة».

مشاكل فنية وثقافية

من جانبه، يقول الخبير المالي والاقتصادي إبراهيم الشمري: إن «الدفع الإلكتروني يعد من المواضيع المهمة والاستراتيجية التي تبنتها الحكومة العراقية. وعلى الرغم من أن هذا النوع من الدفع يعد تجربة جديدة للشعب العراقي، فإن البرنامج قد يواجه بعض المشاكل الفنية أو الثقافية نتيجة لعدم تأقلم المجتمع مع مفهوم الدفع الإلكتروني».

ويضيف الشمري لـ «طريق الشعب»، أنّ «تجربة الدفع الإلكتروني في شراء البنزين المحسن قد حققت نجاحًا نسبيًا، إلا أن نجاحها قد يكون أكثر وضوحًا في السيارات أو الآليات التي تعتمد على البنزين المحسن، وخاصة السيارات الفاخرة.

ويؤكد الشمري، أن الدفع الإلكتروني لا يساهم مباشرة في تحقيق التنمية الاقتصادية، موضحًا أن «آلية الدفع الإلكتروني تهدف بالأساس إلى الحد من تهريب العملة والسيطرة عليها، وتعزيز التحول الرقمي والإلكتروني. ومع ذلك، لا يوجد ارتباط مباشر بين الدفع الإلكتروني وتحقيق التنمية الاقتصادية».

ويشير الى أن الدافع الرئيس لتبني الدفع الإلكتروني هو «السيطرة على الكتلة النقدية المكتنزة في المنازل وسحبها إلى المصارف»، منبها إلى أن «هذا هو الهدف الرئيس والاستراتيجي من الدفع الإلكتروني».

يذكر أن تجربة الدفع الإلكتروني بدأت في محطات الوقود، وجرى تزويدها بالأجهزة اللازمة، بعد أن حدد البنك المركزي العمولة المستحصلة، خاصة إذا كان الدفع والاستلام بين مصارف مختلفة، وهذا منذ منتصف العام الماضي.

وكان مجلس الوزراء، صوت أواخر العام الماضي، على حزمة من الإجراءات التنفيذية تخصّ الدفع الإلكتروني ونقاط البيع الإلكترونية POS، وتضمنت إيداع المكافآت والحوافز والأرباح السنوية وأجور الساعات الإضافية الممنوحة للموظفين والمكلفين بخدمة عامة، بنسبة لا تقل عن 20 منها في حساباتهم المصرفية، على أن يتم استخدامها للدفع الإلكتروني حصرًا وعدم جواز سحبها نقدا، بالإضافة إلى إلزام المصارف وشركات الدفع الإلكتروني بتوفير تطبيق إلكتروني (مجاني) على الهاتف النقال، يتيح للزبائن الدفع بواسطة الهاتف والاستعلام عن أرصدتهم وتعاملاتهم المالية.

لماذا دفع إلكتروني؟

وفي السياق ذاته، قال المراقب للشأن الاقتصادي أحمد عبد ربه، أن توجه العراق نحو مشروع الدفع الإلكتروني، يعد «مساراً صحيحاً»، ويرجع سبب لجوء الحكومة إلى هذا المشروع إلى «نقص السيولة المالية الكبيرة، خاصة في موضوع الدينار، وتراجع طباعة العملة المحلية نتيجة عدم وصول العائدات الدولارية من الولايات المتحدة. هذا التراجع في النقد دفع الحكومة إلى الإسراع في إنجاز مشروع الدفع الإلكتروني».

واستبعد عبد ربه، اتباع الحكومة هذا المشروع بهدف «التطوير».

وأضاف عبد ربه لـ «طريق الشعب»، أن المشروع يمكن أن يدعم الاقتصاد من خلال تقليل التعامل بالعملة المزورة والتالفة، ويقلل من احتمالية السرقة. ومع ذلك، هناك ملاحظة سلبية على هذا المشروع، حيث لا يمكن أن تكون جميع محطات التعبئة والأسواق معتمدة بالكامل على الدفع الإلكتروني، ويجب أن تكون هناك نافذة للدفع النقدي.

وأشار عبد ربه، إلى أنه «من الضروري أن تكون هناك مميزات لحاملي بطاقات الدفع الإلكتروني، مثل خصومات بسيطة أو إصدار البطاقات بشكل يسهل الحصول عليها، ما يشجع المواطنين على استخدامها بدلاً من النقد».

ضعف الانترنيت

يحاول الباحث علي نجم العبدالله كتابة بحث يتناول نظام الدفع الإلكتروني في العراق بين الفرص والتحديات.

ويقول لـ «طريق الشعب» إن أبرز التحديات التي تواجه هذه الآلية تتمثل في «ضعف الثقافة الرقمية واستخدام التكنولوجيا الحديثة (التطبيقات) لدى الكثير من المواطنين، ولا سيما كبار السن».

ويشير العبدالله في حديث لـ «طريق الشعب»، إلى «وجود حالات استغلال من قبل بعض العاملين في محطات التعبئة، حيث يقومون بزيادة سعر التعبئة بذريعة أن عملية جمع الأموال لا تقبل الأرقام العشرية ويجب أن تكون الأجور متوازية مع العملة النقدية. على سبيل المثال، إذا كانت قراءة التعبئة في جهاز التعبئة تشير إلى (٢٣٤٨٠) دينارا، فان عامل التعبئة يكتب (٢٤٠٠٠) في أجهزة الـ POS، والزيادة هنا واضحة، وهي أشبه بالسرقة».

ويضيف، أنه «عند تعبئة بطاقة الماستر ومثيلاتها يتم أخذ مبلغ من صاحب الشركة أو المكتب كعمولة، رغم أن مجلس الوزراء وشركة كي كارد صرحا بعدم وجود عمولة عند تعبئة المحفظة أو البطاقة الإلكترونية».

ويكمل قائلاً: «هناك أخطاء كثيرة تقع عند دفع الأجور باستخدام البطاقة وجهاز الـ POS، بسبب ضعف شبكة الإنترنت، حيث يتم استقطاع المبلغ مرتين نتيجة تكرار عملية الدفع».