اخر الاخبار

يعلل مراقبون للشأن الاقتصادي، تأخر إقرار موازنة 2024 إلى محاولات حكومية لخفض العجز، محذرين من استمرار اعتماد الحكومة على إيرادات النفط في تعزيز خزينة الدولة، وبالتالي فان انخفاض أسعاره يضع البلد على أعتاب أزمة ماليّة كبيرة، قد تجد نفسها فيها غير قادرة على دفع رواتب الموظفين.

وبعد تصويت الحكومة على جداول الموازنة لعام 2024 في 19 أيار المنصرم، أُحيلت الموازنة إلى مجلس النواب، حيث ستخضع لمناقشات من جديد يبدو أنها ستضيف المزيد من التأخير قبل إقرار تلك الموازنة، التي مر على تأخرها قرابة ستة أِشهر.

ووفقا لوزير التخطيط محمد تميم فان عجز موازنة العام الحالي ارتفع إلى أكثر من 80 تريليون دينار مقارنة بـ 63 تريليون دينار في العام الماضي، وذلك خلال اجتماع عقده مؤخرا مع اللجنة المالية النيابية.

وقال تميم: إن إجمالي موازنة عام 2024، بلغ نحو 228 تريليونا، وأن الحكومة عملت على تقديم جداول موازنة عام 2024 في أسرع وقت ممكن، لتفادي الآثار السلبية التي قد تنجم عن تأخر ذلك.

عجز مخطط غير حقيقي

وقال عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، إن «العجز الذي يجري الحديث عنه هو عجز مخطط غير حقيقي؛ انما العجز الحقيقي هو عجز حاصل يثقل كاهل الحكومة بمبلغ معين. بينما العجز المخطط نستقرئ من خلاله سيناريوهات عدة»، مشيرا الى انه «في حال صرفت هذه الموازنة 100 في المائة، فسيكون لدينا عجز 64 في المائة».

وأضاف قائلاً لـ»طريق الشعب»، انه «اذا وصلت اسعار النفط الى 70 دولارا، فعجزنا سيكون 64 مليار دولار، لكن السؤال الذي يطرح: هل سعر برميل النفط سيصل الى 70 دولارا؟ في العام 2023 كنا قد خططنا على أساس سعر 70 دولارا. بينما سعر البرميل الحقيقي كان اكثر من 75 دولارا، كما ان الموازنة لم تصرف بنسبة 100 في المائة».

وتابع، انه «في حال واجهنا عجزا حقيقيا، فينبغي على الحكومة تخفيض صرفها، علاوة على ان جداول الموازنة سيدرج فيها كيفية سد هذا العجز».

وفي ما يخص اقرار الموازنة اكد كوجر ان ذلك «مرهون بقرار من الاطار التنسيقي».

نفقات غير منضبطة

وحول سبل خفض عجز الموازنة، بيّن المستشار المالي لرئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، عدة طرق تستهدف تنشيط الايرادات غير النفطية.

وقال صالح في تصريح لـ»طريق الشعب»، ان هناك سبيلين لتحقيق ذلك «أولهما البحث في الفرص الضائعة في كل مصادر الإيرادات غير النفطية المتاحة، مثل الرسوم، فالوعاء الضريبي وعاء كبير في الحقيقة، إذ نحن بحاجة إلى التمديد وبلوغ كل أركان الوعاء الضريبي الضعيفة في العراق».

وأضاف ان «هذه المهمة ليست بالهينة، فهناك إنفاق كبير بالبلد، بما معناه ان هناك دخولا وإيرادات كبيرة ونشاطا اقتصاديا كبيرا غير خاضع للضريبة»، مشيراً إلى ان «توسيع القاعدة الضريبية بطريقة لا ترهق المواطن هو أحد الحلول في سبيل تعزيز الإيرادات غير النفطية».

واكد «أننا بحاجة إلى خريطة تبحث الكثير من الفرص الضائعة والتي يمكن ان تعوض الكثير من العجز»، داعيا الى «ضبط الانفاق اذ ان هناك الكثير من النفقات غير المنضبطة، وعادةً ما يتكرر لدينا الانفاق، ونحن لسنا بحاجة اليه، وهذا ما يستدعي تقوية الدولة للرقابة الداخلية؛ فمؤسسة الرقابة الداخلية في كل وزارة وفي كل هيئة، يجب ان تؤدي دورها الفعال في السيطرة على الانفاق، وعدم تكرار النفقات غير الضرورية وان تعيد فحص كل النفقات التي يمكن ان نسميها غير ضرورية».

ولفت مستشار رئيس الوزراء الى ان هناك حاجة للسيطرة على الانفلات في الاستيرادات؛ فيجب ان تصدر قوائم استيرادات منتجة، استيرادات تهم حياة الناس، ومنع السلع التي تستغرق مليارات الدولارات بدون فائدة حقيقية منها»، مردفا «صحيح ان هذا خارج الموازنة، لكنه جزء من سياسة ضبط التصرفات المالية في الاقتصاد».

واكد صالح ان «هناك نفقات تشغيلية لا قيمة لها وغير ضرورية، تصل الى المليارات، ويمكن تعويضها من نشاطات أخرى. كما ان تعظيم الايرادات وضبط الانفاق مسألة مهمة، في التعزيز المالي».

سيناريوهات عدة

رئيس مركز بغداد للتنمية الاقتصادية، د. محمد صباح ينتظر الأرقام النهائية والحقيقية هي التي ستصدر من مجلس النواب عقب المصادقة على جداول موازنة 2024، واقرارها بشكلها النهائي.

وقال صباح في حديث لـ»طريق الشعب»: انه «قبل ان يرسل مجلس الوزراء الموازنة الى مجلس النواب، كان الحديث يدور حول عجز بحدود 83 تريليون دينار، واليوم انخفض الى 62 تريليونا».

وأضاف ان «هناك عدة طرق علمية لمعالجة العجز في الموازنة، اولاها معالجة العجز بعجز: مثلما هناك عجز في الموازنة، ستقوم وزارة المالية عند تنفيذ الموازنة بتوزيع مفرداتها بشكل عجزي على المشاريع والوزارات والدوائر المشمولة في الموازنة. كما يمكن للحكومة اللجوء الى اصدار سندات واسهم من خلال وزارة المالية والبنك المركزي العراقي، للحصول على واردات غير نفطية».

وأشار الى انه بإمكان الدولة أيضا اللجوء الى الاقتراض الداخلي والخارجي، مردفا «في الوقت الحاضر سيكون الاقتراض الخارجي صعبا، لأنه مرت ستة اشهر عدم اقرار الموازنة، وبالتالي فان هذا النوع من الاقتراض يتم دائما من خلال تقديم طلب الى البنك الدولي او صندوق النقد الدولي او المنظمات الدولية، وغالبا ما يكون الاقتراض على شكل مشاريع تنموية واستثمارية تنفذ من قبل المؤسسات و المنظمات الدولية في العراق. وهذا الموضوع يحتاج الى فترة دراسة ومناقشات واستفسارات ما بين الطرفين، ربما تستمر الى شهر حزيران او تموز من العام القادم.

وواصل حديثه بالقول: «انه في ما يتعلق بالاقتراض الداخلي فلدينا الان بحدود 34 تريليونا، وما مخطط في الموازنة العامة لعام 2024 سيكون الاقتراض ايضا بحدود 30 - 35 تريليونا، وبالتالي سيكون حجم الديون الداخلية 65 _70 تريليونا، في حال انخفضت اسعار النفط».

ونوه صباح بان هناك أموال مدورة بحدود 13 تريليون من العام الماضي، سواء من مشروع قانون الامن الغذائي الطارئ او من صندوق تنمية الاقاليم، موضحاً ان «المدور من أموال قانون الامن الغذائي الطارئ بحدود 6 تريليونات، بينما تنمية الاقاليم بحدود 7 تريليونات، ولدينا أيضا مدور بحدود 1 تريليون 573 مليارا. كما لدينا بحدود 16 تريليونا وهي عبارة عن فوائض تحققت نتيجة ارتفاع اسعار النفط  فوق الـ 70 دولارا»، مؤكدا ان «كل هذه المبالغ ستضاف الى الموازنة العامة لعام 2024».

وخلص الى القول ان «الشرط الاستثماري لأغلبية المشاريع بحاجة الى اعادة دراسة جدوى وتخطيط واحتساب مواد اولية جديدة وايدي عاملة جديدة، ويتطلب وقتا كبيرا. ونتيجة لهذا لا اعتقد ان الشق الاستثماري سيدخل حيز التنفيذ، وبالتالي سيكون العجز اما عجزا مخططا 3 في المائة او عجزا حقيقيا كالسنوات السابقة».

عرض مقالات: