اخر الاخبار

تحظى البيئة العراقية، جنوبا وغربا وشمالا، بتنوع بيولوجي فريد من نوعه، لكنه يواجه خطر الانقراض، نتيجة لعوامل طبيعية وبشرية، تحتاج الى اهتمام حكومي ودولي يحفظ للبلاد تنوعها البيئي الفريد.

ويشمل التنوع البيولوجي (التنوع البيئي) جميع أشكال الحياة على الأرض، والى جانب مجموعة واسعة من الكائنات الحية وحتى الدقيقة منها مثل البكتيريا والفيروسات إلى الكائنات الفقرية الأكبر والأكثر تعقيداً مثل الحوت الأزرق، يشمل أيضاً التنوع الجيني داخل هذه الأنواع وفي ما بينها. ويأخذ التنوع البيولوجي في الاعتبار تنوع النظم البيئية التي تعيش فيها هذه الأنواع، ويخلق هذا التنوع شبكة معقدة ومترابطة من العلاقات البيولوجية، التي بدورها تشكل أنظمة بيئية معقدة وديناميكية داخل بيئتنا.

ويتأثر التنوع البيولوجي بعوامل طبيعية أو بشرية، تساهم في انحسار هذا التنوع، لا سيما في المناطق التي تتأثر بشدة بهذه الظروف.

وفي الوقت الذي يُحتفى به باليوم العالمي للتنوع الأحيائي من أجل التشجيع على قضايا التنوع الأحيائي في 22 أيار من كل عام، تواجه بيئتنا الاحيائية مهددات كبيرة وخطرا كبيرا يداهمها من كل حدب وصوب.

تراثنا الثمين

المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي تقول: ان «التنوع البيولوجي يمثل منفعةً عامةً، وتراثاً ثميناً للغاية تجمَّع على مدى ملايين السنين، ورأس مال ننقله إلى الأجيال المقبلة، ويشمل المجموعة الاستثنائية لأشكال الحياة الموجودة على كوكب الأرض، فضلاً عن البيئات الطبيعية التي تنمو فيها هذه الأشكال، أيّ النظم الإيكولوجية. ويعتمد وجودنا في حد ذاته على التنوّع البيولوجي الذي يوفّر جميع الموارد الطبيعية اللازمة لتنمية الفرد».

فقدانه يترك أثرا جسيما

الأكاديمي والخبير البيئي د. شكري الحسن قال: ان التنوع الاحيائي المتكامل والمترابط والمنتعش يدل على ان النظام البيئي معافىً وسليم، وان التكامل والترابط شرط اساس لتعافي النظام البيئي.

وأضاف في حديث مع «طريق الشعب»، أنّ التنوع الاحيائي يمد سلسلة الحياة ويجعلها متفاعلة، لذلك كل منطقة حينما يكون فيها تنوع احيائي نابض فهذا معناه ان هذه المنطقة في وضع طبيعي وخال من المشاكل.

وتابع الحسن، ان «التنوع الاحيائي في العراق مميز، ويتناغم مع بيئتنا الصحراوية والجبلية وبيئة الاهوار، لكن بصراحة تعرض وما زال هذا التنوع الى تحديات وتهديدات في السنوات الاخيرة، نتيجة للمشاكل التي مرت على البلد من حروب، اضافة الى تفاقم تداعيات التغيّر المناخي مثل التصحّر وشح المياه وندرتها وتجريف البساتين وانحسار البحيرات».

وأشار الى ان كل هذه العوامل «أثرت على التنوع الاحيائي والقت بظلالها السلبية عليه، ولهذا السبب اختفت لدينا الكثير من الاحياء او تناقصت اعدادها، واصبحت مهددة في الانقراض سواء كانت هذه الاحياء برية ام برمائية ام مائية».

وحدد الحسن في السياق مهددات التنوع الاحيائي بقوله: ان أبرز هذه التهديدات هي النشاطات البشرية غير المسؤولة، مثل تجريف الاراضي الزراعية والبساتين، فضلاً عن التوسع الحضري والذي يكون غالباً على حساب المناطق الطبيعية، فهذا يمثل تهديدا كبيرا للتنوع الاحيائي، فضلاً عن التلوث الذي يحجم من وجود بعض الاحياء، ويخلق بيئة غير مناسبة لمعيشتها، وبالتالي تتأثر اعدادها».

واضاف بالقول: ان «التغيرات المناخية لها أثر جسيم على وفرة وتواجد الاحياء وعلى تكاثرها»، مشيرا الى ان «الاهوار من بين أكثر البيئات تضرراً من التغيّر المناخي، فقد كانت تشهد في السابق تنوعا احيائيا هائلا، وأدى ذلك الى اختفاء وتناقص اعداد كثيرة من الكائنات الحية النباتية والحيوانية التي كانت تتواجد في هذه المنطقة بالسابق نظرا لأنها خسرت موطنها الطبيعي الذي تعرض للتدمير».

وخلص الى القول ان «فقدان التنوع الاحيائي يزيد من مصاعب دعم الحياة، فالمنطقة التي تفقد تنوعها الاحيائي تتعرض لمشكلات كبيرة وخسائر اقتصادية وصحية وفقدان لموارد تمثل مصدر رزق لجماعات سكانية وحرمان من مزايا يقدمها التنوع الاحيائي، علاوة على الخلل والاضطراب البيئي الذي سيظهر نتيجة فقدان التوازن الطبيعي، الذي يقودنا الى الكثير من المشاكل والتحديات البيئية».

ضعف في مواجهة التغير المناخي

الباحث في الشأن البيئي احمد صالح نعمة، اكد ان «بلدنا من البلدان الغنية بتنوعها الاحيائي نتيجة تضاريسه المختلفة بين جبال وصحراء واودية وبساتين ومسطحات مائية كبيرة جدا. ولهذا يعد العراق بلدا فريدا من ناحية التنوع الاحيائي النادر؛ حيث توجد بعض الاصناف داخل العراق غير موجودة في بلدان اخرى.

وقال نعمة في حديث مع «طريق الشعب»، إن «الحفاظ على الاصناف النادرة او على الحياة البيولوجية هو حفاظ على التنوع البيولوجي بشكل عام، على اعتبار ان بعض الحشرات والطيور تعتاش على بعضها؛ وبالتالي هذه النسبة والتناسب في الطبيعة يجب ان تبقى متوازنة».

وأضاف، انه «لا يمكن السماح بتدهور نوع معين لأن ذلك سيؤدي الى هدم درجة من السلم الغذائي او التنوع البيولوجي، وأن اي خلل في درجات هذا السلم سيؤثر على بقية السلم على اعتبار انه سلم غذائي واحد».

وأشار نعمة الى انه «حينما اختفت الاعماق في الاهوار اختفت معها القواقع وأدى ذلك الى اختفى سمك القطان معها، على اعتبار ان القطان يعتاش بشكل مباشر على القواقع، وحين تم تجفيف الاهوار اختفى كلب الماء».

وعد ان «العراق فيه قصور من ناحية مواكبة التغير المناخي، وليس مواجهته فجأة، فالعراق لم يواكب التغير المناخي منذ 50 عاما»، مبينا انه «لم يتم اتخاذ اجراءات وقائية لمواكبة التغير المناخي، وبالتالي حدث ما حدث»

واوضح، ان «التغير المناخي يؤثر على التنوع الاحيائي: جزء من التغير المناخي يتعلق بشح المطر الذي ضرب العراق خلال الاعوام الاخيرة ابتداء من عام 2017 وصولاً الى عامنا الحالي، وهذا أثر على تواجد الغطاء النباتي الافقي الاخضر».

ونبه الى ان «هذا النوع من الغطاء يعد معلفاً كبيرا جدا لبعض الطيور والحيوانات والزواحف، وبالتالي تأثرت الثروة الحيوانية بشكل كبير وتأثرت الاهوار في جنوب العراق، وبالتالي تضرر النظام البيولوجي».

وخلص الى ان «العواصف الغبارية اثرت ايضاً على النظام الحشري. كذلك النظام البكتيري، تضرر بشكل كبير جداً».

الضرر بالغ

الى ذلك، فصّل مدير معهد نيسان المختص بالشأن البيئي فلاح الاميري، الحديث عن مهددات التنوع البيولوجي في العراق، ووزعها الى نوعين؛ مهددات ترتبط بالتغير المناخي ومهددات ترتبط بالتلوث البيئي.

وبالنسبة لمهددات التغير المناخي قال الاميري لـ»طريق الشعب»، انها «كثيرة مثل تغير نسب الرطوبة، وارتفاع درجات الحرارة وسقوط اشعة الشمس وسرعة الرياح وزيادة نسبة الغبار والاتربة التي تجذبها بعض موجات الرياح العالية، ومستوى سقوط الاشعة الفوق البنفسجية على سطح الارض في العراق.. كل هذه هي مهددات من آثار التغيّر المناخي».

وفيما يتعلق بالتلوث البيئي قال: انها تشمل «التلوث الناتج عن تدخل الانسان، منها ما يتعلق بتراكم النفايات او التخلص منها عبر رميها في الانهار واستخدام البلاستيك. كذلك رمي المياه الثقيلة في الانهار والسموم والكيماويات واثار الاستخراج النفطي على التربة وعلى المياه، ورفع نسبة الكربون في الهواء والعوالق الكربونية بسبب الاستخراجات النفطية او الصناعات».

ونبّه الاميري الى ان «فقدان التنوع الاحيائي يولد مخاطر كبيرة بضمنها انه يؤدي الى انقراض بعض الانواع من الكائنات الحية، ويؤثر على النظام الغذائي والنظام الزراعي وجودة الهواء وحتى نسبة ارتفاع درجات الحرارة ونسبة الرطوبة».

وتابع بقوله: «للأسف الشديد فقدنا ونفقد الكثير من نظمنا البيئية الفريدة نتيجة ما يحصل من تغيرات مناخية، والتأثير الأكبر الذي تعرضت له بيئتنا جاء نتيجة لتجاوز دول الجوار على حصصنا المائية، والذي أفقدنا الكثير من النظم المهمة».

وخلص الى القول: ان هناك «دراسات حديثة تشير الى تغير جذري في بيئة شط العرب، إذا تحولت الاسماك فيه بنسبة ٧٥% إلى أسماك البيئة البحرية، ما يعني تغير نظام النهر وتدهور بيئة المياه العذبة التي كانت تميزه».

عرض مقالات: