اخر الاخبار

يعيش أطفال العراق، ممن يعانون مرض طيف التوحد، معاناة مزدوجة، بين الإصابة بالمرض وضعف الرعاية المقدمة لهم. فيما تعاني أسرهم صعوبات كبيرة في التعامل معهم، وتتحمل أعباء مالية كبيرة لتغطية تكاليف علاجهم، في ظل عدم توفر مراكز حكومية كافية لرعاية هذه الحالات المرضية، إلى جانب قلة الكوادر المتخصصة في التعامل معها.

ووفقا لما تنقله وكالات أنباء عن خبراء يعملون في مراكز بحثية تربوية ونفسية، فإن عدد الأطفال المصابين بالتوحد في عموم أنحاء البلاد، يصل إلى أكثر من 200 ألف طفل، مؤكدين أن الأعداد في تزايد. 

وتعاني المؤسسات الصحية المعنية بمعالجة الأمراض النفسية وطيف التوحد، قلة الكوادر الاختصاصية والافتقار لوسائل الطب الحديث. في حين لا تتناسب أعدادها مع أعداد المرضى الكبيرة. أما المراكز العلاجية، حكومة كانت أم أهلية، فهي لا تقدم خدمات بالمستوى الذي يساعد على تحسن الحالات المرضية، الأمر الذي يضطر عائلات كثيرة، وتحديدا ذات المستوى المعيشي الجيد، إلى السفر للخارج لعلاج أبنائها.

ما هو التوحد؟

يعد التوحد أحد اضطرابات النمو المعقدة التي تصيب الأطفال وتعيق تواصلهم الاجتماعي اللفظي وغير اللفظي. كما تعيق نشاطهم التخيلي والاجتماعي. ويظهر هذا الاضطراب خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل. إذ تظهر عليه سلوكيات شاذة وأنماط متكررة. بينما يصبح منطويا على ذاته. 

وتعرّف منظمة الصحة العالمية مرض التوحد، بأنه “مجموعة من الاعتلالات المتنوعة التي تتصف ببعض الصعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل، وصعوبة الانتقال من نشاط إلى آخر والاستغراق في التفاصيل وردود الفعل غير الاعتيادية”.

وبينما لا تزال أسباب المرض غير معروفة، يرى اختصاصيون أن هناك أسبابا جينية تؤدي إلى هذا الخلل الوظيفي.

لا إحصائية حكومية لعدد المصابين

لا تتوفر لدى وزارة الصحة احصاءات ونسب محددة أو تقريبية لأعداد أطفال التوحد في البلاد، حتى الآن – حسب ما تنقله وكالة أنباء “شفق نيوز” عن المكتب الإعلامي للوزارة.

ويرجع اختصاصيون غياب الإحصاءات الدقيقة، إلى عدم وجود بيانات متكاملة وعدم تسجيل جميع الحالات في مراكز علاج التوحد الحكومية أو الأهلية. لكن انتشار معاهد ومراكز أهلية متخصصة في علاج هذا الاضطراب في مختلف أنحاء البلاد، يدلل على وجود أعداد كبيرة من المصابين، ويؤشر في المقابل تقصيرا حكوميا في رعاية هذه الشريحة – وفقا للاختصاصيين.

وينقل تقرير طبي نشره موقع “ذا ناشيونال” في وقت سابق، عن مدير مركز التوحد التابع لوزارة الصحة د. حسين الكعبي، قوله ان “أعداد الأطفال المصابين بالتوحد في تزايد”، متوقعا وجود “أكثر من 200 ألف طفل مصاب”، وسط تراجع الخدمات الطبية الخاصة بهذه الفئة.

ماذا عن المراكز الحكومية؟!

د. الكعبي، وفي تصريح صحفي سابق، ذكر أن “العراق يجاري العديد من دول العالم بإنشائه مراكز متخصصة في علاج مرض فرط الحركة والتوحد، في مستشفى حماية الأطفال التعليمي بمدينة الطب، فضلا عن المراكز التابعة للعتبة الحسينية في كل من كربلاء والمحافظات الجنوبية ومحافظات الفرات الأوسط”.

لكن الواقع يقول غير ذلك. إذ لا يزال ذوو الكثيرين من المرضى يضطرون إلى رعاية أبنائهم في مراكز علاج التوحد الأهلية، بالرغم من ارتفاع تكاليفها المالية مقارنة بالنتائج المتواضعة التي يمكن أن يقدمها عدد قليل من تلك المراكز.

ولا يوجد في بغداد سوى مركزين حكوميين لعلاج التوحد، هما “المركز الوطني للتوحد” في مستشفى حماية الأطفال التعليمي، و”مركز بغداد الحكومي للتوحد” في جانب الكرخ، والذي يعاني إهمالا بالغا – حسب ما تنقله وكالة أنباء “العربي الجديد” عن أحد الأطباء المنتسبين إليه.

ويقول الطبيب أن “المركز لديه 11 طبيباً فقط، يعملون بنظام المناوبة، في وقت تحتاج فيه هذه المؤسسة إلى أكثر من 25 طبيبا”.

في حين تشير إحصاءات غير رسمية إلى وجود 85 مركزا أهليا لعلاج التوحد في عموم أنحاء البلاد. وقد منحت الدولة تراخيص عمل لهذه المراكز، التي تقدم خدماتها مقابل أجور مرتفعة جدا. إذ تبلغ الرسوم الشهرية لعلاج كل طفل، بين 250 و500 ألف دينار – وفقا لمديرة “معهد الصفا” الأهلي لرعاية مرضى التوحد في بغداد، رفاه جاسم، التي تقول في حديث صحفي سابق أن “نسب اضطراب التوحد ترتفع في العراق”، مبينة أن “زيادة أعداد المصابين أدت إلى زيادة أعداد المراكز الأهلية المعنية برعايتهم، والتي وصلت إلى 85 معهدا”.

فيما يقول أسامة الساعدي، وهو مسؤول عن مشاريع طبية خيرية تديرها العتبة الحسينية، أن “العتبة تشرف على 11 معهدا وأكاديمية لرعاية أطفال التوحد في بغداد والمحافظات”، مبينا في حديث صحفي أن “هذه المراكز تقدم خدماتها لأكثر من 1200 طفل”.

معاناة عائلية

“لم أعد احتمل”.. بهذه الكلمات تشكو المواطنة أم لانا معاناتها اليومية مع طفلتها ذات الـ 9 أعوام، والتي تعاني فرط شديد في الحركة منذ عامها الأول.

وفي حديث صحفي، توضح الأم انها اضطرت إلى ترك وظيفتها الحكومية والمكوث في المنزل لرعاية ابنتها “فهي تتحرك كثيرا ولا أستطيع تركها لدى أحد أقاربي خلال دوامي”.

وتبيّن أن “الطفلة تعاني ايضا قلة الانتباه بشكل مفرط، وصعوبة النوم وعدم الخوف من النار”، لافتة إلى أن هناك “صعوبات كثيرة أواجها مع حالة ابنتي، بدءا من تشخيص المرض، مروراً بمراحل العلاج والتأهيل شبه المستحيلة نتيجة لغياب الخدمات الصحية والتأهيلية الحكومية، وليس انتهاء بصعوبة دمج الطفلة في المجتمع”.

أمٌ تفخر برعاية ابنيها المصابين

تبدو شيماء الهاشمي فخورة بنفسها لكونها استطاعت أن ترعى ابنيها المصابين بالتوحد والعمى.

وتقول في حديث صحفي، أن ابنتها آية ذات الـ17 عاما وابنها محمد ذا الـ11 عاما، مصابان بالتوحد ولا يبصران، بسبب عدم اكتمال نمو قشرة دماغيهما. 

وتلفت إلى انها اكتسبت الكثير من المعلومات حول التوحد عبر دورات تثقيفية ومن خلال حديثها مع أطباء في دول عديدة، مشيرة إلى انها تشارك هذه المعلومات عبر صفحتها في انستغرام، ما جعل عدد متابعيها يصل إلى أكثر من 112 ألفا.

 

200 ألف مصاب

حسب تحقيق استقصائي نشرته “شبكة نيرج” في تموز العام الماضي، بعنوان “مرضى التوحد معاناة بلا نهاية” فإن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لاحظت زيادة في أعداد مرضى التوحد عام 2021، مرجعة ذلك الى زواج الأقارب وأساليب التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي تتبعها بعض الأسر، وسوء تشخيص المرض، وقلة المراكز المتخصصة في علاج هذه الحالات.

ويلفت التقرير إلى ان أعداد المصابين بالتوحد في عموم البلاد تصل إلى 200 ألف طفل، بالاستناد الى توقعات وزارة التخطيط لسنة 2022.

ووفقا لموقع “وايس فوتر”، فإن العراق يحتل المرتبة الـ 193 عالمياً في الإصابة بالتوحد لدى الأطفال بمعدل 328.27 طفل مصاب لكل 100 ألف طفل. ويرصد الموقع أكثر من 125 ألف مصاب. أما وزارة التخطيط، فقد رصدت في إحصاءاتها أكثر من 350 ألف معاق بالفهم والإدراك، لكن لا شيء في هذه الإحصاءات يشير الى التوحد بعينه. فيما تشير أرقام غير رسمية تتداولها وكالات أنباء، إلى ان هناك طبيبا نفسيا واحدا لكل مليون فرد عراقي، بمعنى أن البلاد ليس فيها أكثر من 50 طبيباً نفسياً!