«لم تك رحلتي في البحث عن عمل نعيش منه أنا وبناتي الأربع، بعد وفاة زوجي، رحلة سهلة، بل مقرفة، لا اتمناها حتى لأعدائي»! بهذه الكلمات، بدأت المواطنة ساهرة سامي حديثها مع «طريق الشعب»، وأضافت «عند وفاة زوجي، المعيل الوحيد للعائلة والذي كان يعمل سائقا في إحدى شركات القطاع الخاص، إثر حادث سير، كنت في الشهور الأولى من حملي بابنتي الرابعة. لم أكن املك أي مصدر رزق، وحدث العديد من المشاكل مع عائلته، انتهت بعودتي إلى دار والدي، وهو رجل كبير في العمر ويتقاضى راتبا تقاعديا لا يتجاوز 400 ألف دينار شهريا، ولا يكفي لسد متطلبات معيشته. ومضت الشهور الأولى بصعوبة كبيرة إلى ان وضعت طفلتي، وحرصت بعدها على البحث عن عمل، فاشتغلت أولا بائعة للملابس النسائية في أحد المحال التجارية في منطقة الثورة».
من عاملة نظافة إلى مدرسة
وتتابع قولها: «إلا ان الأجور كانت قليلة جدا وساعات العمل لا تناسب ظروفي، خاصة أنني أم لاربع بنات بما فيهم طفلة رضيعة، الأمر الذي اضطرني إلى البحث عن فرصة عمل أخرى. لذلك اشتغلت عاملة نظافة في أحد الفنادق الأهلية الصغيرة، ولم استمر في هذه المهنة بسبب سوء المعاملة». بعدها رحت أدرس وأعمل واعتني ببناتي، وأنا الآن مدرّسة لمادة اللغة العربية، ابنتي البكر، رسل، مدرّسة هي الأخرى لمادة اللغة الانكليزية والثانية طبيبة أسنان والثالثة طالبة جامعية في المرحلة الثالثة بتخصص التحليلات المرضية، أما الأخيرة فهي طالبة في كلية الصيدلة».
الفرص قليلة والمجتمع يقيد
وتفيد أم رسل قائلة «بناتي وواقع حالي اليوم هو حصيلة تعب لسنوات صعبة عشناها بعد وفاة الأب المعيل، حيث فرص العمل بالنسبة إلى النساء قليلة، وحيث يفرض المجتمع والعائلة على المرأة الكثير من القيود ويجعلها ذليلة، في وقت لا يوفرون فيه شيئا من متطلباتها.
الأقل على مستوى العالم
في هذا السياق، أعلنت منظمة العمل الدولية، عن بلوغ نسبة مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل، الحد الأدنى على مستوى المنطقة والعالم، إذ لا تتجاوز أعدادهّن المليون امرأة، وأغلبهن يعملن في التدريس والخدمات.
وتقول المنسقة القطرية للمنظمة في العراق، مها قطاع، في تصريح اطلعت عليه «طريق الشعب» إن «نسبة مشاركة النساء في سوق العمل تبلغ 10.6 في المائة، أي أنَّ من بين 13 مليون امرأة في سنّ العمل، تشارك مليون و400 ألف إمرأة منهن في سوق العمل، وإن 70 في المائة منهن يعملن في القطاع العام وتحديداً في التدريس والخدمات». وتضيف قائلة إنه «وفق هذه النسب والأعداد، فإنّ ما بين 300 -400 ألف منهنَّ فقط يعملنَ في القطاع الخاص».
مشكلة قانونية
وتنبه قطاع إلى «وجود مشكلة في قانون العمل تمثل عقبة أمام عمل النساء، حيث يحظر على المرأة العمل في الوظائف الشاقة والمرهقة دون تعريفات محددة لهذ الوظائف، ولهذا هناك ضرورة لإعادة النظر في موضوع عمل المرأة في العراق».
كما تؤكد الأمر، الباحثة في الشأن الاجتماعي د. اسماء جميل بقولها إن «عدد النساء العاملات في البلاد تتجاوز قليلا نسبة 10 في المائة وهي الأضعف على مستوى العالم».
سياقات تمييز ضد المرأة
وتقول د. اسماء لـ»طريق الشعب» إن «هناك العديد من سياقات التمييز التي تتعرض لها النساء في التوظيف وهي تتفاوت بين وزارة وأخرى، ففي وزارة النفط ترتفع نسبة تفضيل الذكور على الاناث إلى 95 في المائة مقارنة مع القطاع التعليمي».
وتذكر « هناك عوامل أخرى تعيق عمل المرأة منها الالتزامات المنزلية التي تترتب عليها، بسبب ضعف قطاع الرعاية في البلاد فضلا عن العقلية الذكورية التي تمنع الرجل من المشاركة في الأعمال المنزلية وتجعلها حكراً على النساء». وتضيف بأن «البحوث تركز اليوم على جانب العنف والتحرش الذي تتعرض له النساء في قطاعات العمل، على الرغم من أن قانون العمل قد تضّمن مادة تمنع التحرش»، منبهة في هذا الجانب إلى أن «بيئة العمل تفتقر إلى توفير متطلبات وإجراءات حماية المرأة».
قوة عمل احتياطية
وتذكر ايضا أن «سياسة العمل في البلاد تعتبر النساء قوة عمل احتياطية، على الرغم من أن هناك الكثير من النساء العاملات لا يحتسب عملهن على مستوى الانتاج، كالعاملات في القطاع الزراعي والبائعات في الأسواق وعاملات المهن الحرة».
وتؤكد د. اسماء أن «هناك حاجة إلى إعادة النظر بالعملية الاحصائية لعمل النساء، فهناك نساء عاملات الاّ أنهن غير مسجلات ضمن القوى العاملة»، مشددة في هذا الجانب على أن «البلاد تعاني من فوضى في إحصاء عدد القوى العاملة بصورة عامة».