في نهاية العام 2022، تعهدت حكومة السيد محمد شياع السوداني بإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت، حيث خصصت 15 مليار دينار عراقي لهذا الغرض. ومع ذلك، يثير شعار «نزع السلاح» الذي رفعته كل الحكومات السابقة منذ عام 2005 تساؤلات حول فاعلية الخطط المعتمدة في إنهاء وحسم هذا الملف أو الحد من تأثيره. فيما يحذر مراقبون من وجود جهات تعيق دور الدولة في هذا الصدد، الامر الذي يضاعف التحدي.

وبحسب إحصاءات غير رسمية فإن عدد السلاح المنفلت يتراوح بين 10-15 مليون قطعة، وتملك العشائر وحدها 7 ملايين قطعة.

ويقع يومياً الكثير من المواطنين ضحايا للسلاح المنفلت تحت مسمى النزاع العشائري والخلافات الشخصية وغيرها. وأخيراً تم قتل مدير استخبارات مكافحة إرهاب محافظة ذي قار العميد عزيز الشامي خلال اشتباكات مسلحة بين عشيرتين.

يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية مقداد الموسوي، إن «الوزارة أعدت برنامجا حكوميا لحصر السلاح بيد الدولة، وسينفذ بشكل مراحل عدة»، مضيفاً أن «بعض السلاح الموجود بيد الأهالي يعود للجيش العراقي السابق».

وبين الموسوي في حديث خصّ به «طريق الشعب»، أن «العائلة الواحدة لها الحق القانوني بامتلاك قطعة سلاح واحدة، شرط ان تكون من الأسلحة الخفيفة ومسجلة لدى وزارة الداخلية».

وحددت وزارة الداخلية 697 مركزاً لتسليم الأسلحة في عموم العراق باستثناء إقليم كردستان.

قرار الحكومة انعش تجارتها

يقول اللواء الركن المتقاعد، د. عماد علو (باحث في الشأن العسكري)، أن «ملف السلاح المفلت لا يزال شائكاً ومعقداَ للغاية، ومن الصعب جدًا على الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 السيطرة عليه»، مبينا بالقول، أن «المشكلة تتفاقم بشكل مستمر، ويظهر ذلك من خلال الأسلحة التي تم العثور عليها في يد العشائر وعصابات الجريمة المنظمة، وهذا يشمل أنواعا مختلفة من الأسلحة مثل القاذفات الثقيلة ومدافع الهاون وغيرها من الأسلحة».

ويشير علو في حديث مع مراسل «طريق الشعب»، إلى أن «هذه المشكلة لها تأثيرات سياسية خطرة، حيث إن أكثر المتورطين في استخدام السلاح خارج سيطرة الدولة، هم أفراد ينتمون إلى الأجهزة الأمنية، وهذا ما لوحظ في نزاع قضاء الإصلاح في ذي قار، حيث استعمل بعض المنتسبين السلاح دون ضوابط».

 ويضيف، أن هناك أكثر من 13 مليون قطعة سلاح في العراق منذ عام 2003، خارج سيطرة الدولة وهذا يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن والسلم الداخلي، معتبرا أن «الحلول التقليدية التي اعتمدتها الحكومة، مثل شراء الأسلحة ومراقبة حيازتها، لم تكن فعّالة في الحد من تلك الظاهرة». ويزيد بالقول، أنه «لا تزال هناك اسواق لبيع كافة أنواع الأسلحة في بغداد وببقية المحافظات، بالإضافة الى وجود تجارة بينية بين المحافظات لبيع الأسلحة، كما ان إجراءات الحكومة بتخصيص مبلغ مليار دينار عراقي لكل محافظة لغرض شراء السلاح جعل أسعار الأسلحة ترتفع، وشجع المهربين على ادخال الأسلحة وبيعها الى الدولة»، مؤكدا ان «هذه الإجراءات تربك عمل وزارة الداخلية».

تقييم الوضع الأمني

ويشدد علو على ضرورة تقييم الوضع الأمني واتخاذ إجراءات أكثر فعالية، بما في ذلك ايجاد قرارات وتشريعات تهدف إلى نزع السلاح وتقليل استخدامه غير المشروع»، مقترحا على الحكومة ان تضع «خططًا وبرامج بالتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات المعنية في مجال نزع السلاح للتصدي لهذه الظاهرة الخطرة التي تهدد الاستقرار والأمن في العراق وتؤدي إلى سقوط الأبرياء كضحايا.»

ختاما، يحذر علو من الذهاب «صوب تمزيق النسيج الاجتماعي، وتشجيع المافيات والعصابات المنظمة وتجار المخدرات على التمادي أكثر، بالتالي يستنزف الامر مزيدا من الأبرياء والضحايا، إذا لم تضع الحكومة حدا لهذه المشكلة».

غياب الاحصاءات

يقول المحلل السياسي محمد زنكنة، أن الوضع الحالي بالنسبة للسلاح المنفلت في العراق يُعتبر «مزريًا وخطيرًا للغاية»، لافتاً إلى وجود «جهات تمارس دور الدولة في توزيع وبيع وشراء هذه الأسلحة خارج إطار الدستور والقوانين».

ويبين زنكنة لـ «طريق الشعب»، أن «السلاح المنفلت يؤدي إلى زيادة نسب الجريمة والانفلات الأمني وتصاعد العداوات بين المكونات العرقية والدينية، ما يسفر عن زعزعة الثقة بالمؤسسات الأمنية والمواطن، بالإضافة الى تأثيره السلبي على الوضع السياسي، بالتالي نشوب صراعات بين الدولة والمليشيات، التي تعجز عن الجهات الحكومية المعنية عن اتخاذ أي اجراء بحقها».

وعن تأثير غياب الإحصاءات الرسمية، يبين زنكنة أن «غياب الإحصاءات السكانية في العراق منذ عام ١٩٥٧، أثر سلبًا على القدرة الدولة في التعامل مع العديد من المشاكل، ولذلك، مطلوب منها إجراء إحصاءات دقيقة تتعلق بعدد الجرائم وأنواعها ونسبة السلاح المنفلت، حيث تُعتبر هذه الإحصاءات أساسية لحل نسبة كبيرة من المشكلة، وحث الدولة على وضع خطط مبنية على أرقام دقيقة وواقعية.

وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، كشف الى «طريق الشعب»، عن عزم الوزارة إتمام الإحصاء السكاني الأول من نوعه منذ 26 عاماً نهاية العام الجاري، يسبقه احصاءً تجريباً، في شهر تشرين الاول المقبل.

عرض مقالات: