اخر الاخبار

في عمق صحارينا وبواديها عالم اخر متشكل بعيداً عن المدن، حيث كانت منذ الازل ملاذا آمنا وبيئة طبيعية للعديد من الحيوانات والطيور البرية والجارحة، خصوصا النادرة منها، التي لا تتواجد في أي دولة ثانية، الا ان هذا لم يدم طويلاً؛ فهذه الصحاري التي كانت يوماً ما حضنا لها، نظرا لمقوماتها البيئية وما تملكه في جعبتها، بات يقتحمها الصيادون والهواة الذين يلهثون خلف متعتهم الشخصية، من دون أي اكتراث لما يفعلونه. بينما يشدد مختصون على ضرورة تعزيز دور كوادر الشرطة البيئية، ومنحهم صلاحيات واسعة.

حيوانات مهددة بالانقراض

مرصد العراق الأخضر كان قد حذر في وقت سابق من استمرار الصيد الجائر للحيوانات المهددة بالانقراض، لافتاً إلى أن الممارسات الجائرة للصيادين مستمرة حتى في مواسم تكاثر الحيوانات والطيور.

قال المرصد في بيان تسلمته “طريق الشعب”، إنّ “أبرز الحيوانات المهددة بالانقراض تعيش في مناطق وسط العراق وجنوبه وغربه، ومنها غزال الريم وكلب الماء (ماكسويل) والرفش الفراتي. كذلك الوعل الجبلي والبلبل أبيض الخدين”.

وتابع البيان، أن “الصيادين لا يتراجعون عن ممارسة حملاتهم القاسية وغير المرخصة في مواسم تكاثر الحيوانات والطيور ومنها في إقليم كردستان”، موضحاً أن “هناك استمراراً في اصطياد الدببة والخنازير والأغنام البرية النادرة منذ سنوات، ومن دون انقطاع”.

وزاد البيان بالقول: إن هناك أنواعاً اختفت بشكل مؤكد من بيئة الأهوار والمناطق المتاخمة لها، مثل الأسد عديم اللبدة، الذي قال عنه قنصل روسيا في البصرة ألكسندر أداموف في كتابه (ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها) الصادر في سانت بطرسبورغ عام 1912: “الأسد عديم اللبدة الذي كان قبل 50 عاماً يثير بزئيره الفزع في نفوس المسافرين على السفن التي تمخر عبر دجلة ليلاً، أصبح في الوقت الحاضر مجرد أسطورة”.

وكشف المرصد عن أن “الإفراط في الصيد الجائر يؤدي إلى عدد من الكوارث، أبرزها تقلص عدد وأنواع الحيوانات، من ثم يؤثر بصورة مباشرة على التنوع البيولوجي وتغيير الأنظمة البيئية والاقتصاد المحلي”.

تنوع نادر

الخبير في الشأن البيئي احمد صالح نعمة، يقول: ان العراق يمتلك كميات كبيرة من الصحاري وتشكل حوالي 41 في المائة من مساحته الكلية. بينما أكبر هذه الصحاري هي من حصة محافظتي الانبار والسماوة. يضاف الى ذلك الأنواع المختلفة من الصحاري في العراق الرملية والقاحلة والصخرية، التي تمتد الى البادية الطينية لكنها قفراء. وبالنسبة للبوادي، فتتحول من الموسم الخريفي والربيعي مرورا بالشتاء الى مناطق وربوع خضراء، وهي عامل جذب للكثير من الحيوانات التي تعيش داخلها.

ويضيف في حديث مع “طريق الشعب”، ان “الصحاري العراقية تحتضن أعدادا كبيرة من الحيوانات النادرة، منها الضب النادر، وعلى أطراف الصحراء والتي لا تكون قفراء، وتمتد الى بعض مصادر المياه البسيطة. ويوجد الضبع العراقي بلونين، فمن الشمال الى الوسط ينتشر الضبع ذو اللون الأبيض. ومن الوسط الى الجنوب يوجد الضبع ذو اللون البيجي، اضافة لجربوع الصحراء ذي القائمة الطويلة، والارانب البرية وبعض انواع البوم”.

وبالنسبة للنظام الحشري في الصحراء فهو كبير جداً ومتنوع وكثير، وقد لا يراه الزائر على اعتبار ان اغلب حيوانات الصحراء ليلية النشاط، بحسب ما تحدث الخبير.

ويلفت نعمة الى ان “العراق يمتلك اندر وأغلى انواع الصقور على الاطلاق، واحدها الصقر السنجاري، وهو من أفضل الانواع وموطنه الاصلي جبل سنجار في الموصل. والصقر الفارسي الذي يتواجد بأعداد كبيرة خصوصا في موسم التكاثر، ويصل سعره الى مليون دولار. وهذه الصقور لا تعيش فقط بأماكن تواجدها في الاعشاش باعالي الجبال، انما تطير الى مسافات كبيرة وتقترب الى البوادي بشكل كبير جداً، كذلك تنتشر في صحارينا غزلان الريم النادرة جداً والمطلوبة بشكل كبير”.

ويردف حديثه بالقول ان “صحارينا موطن للطيور المهاجرة. اغلب هذه الهجرات تأتي من الجانب الشرقي للعراق، وأبرز الطيور يكون طائر الحباري الذي يشق طريقه عبر افغانستان ومن ثم جنوب إيران ويدخل الى العراق في واسط والعمارة وديالى والبصرة، حيث هناك يتعرض الى صيد جائر”.

وينبه الخبير الى ان “الصحاري العراقية تتعرض الى الكثير من هجمات الصيادين. بينما سمح العراق للصيادين الاجانب بالدخول الى البوادي العراقية للصيد فيها، فضلاً عن كونه وقّع على معاهدة خصص فيها محميات طبيعية في جزء من الصحاري والبوادي. نحن نتحدث عن 17 في المائة من مساحة العراق”.

ويحذر نعمة من مغبة “استمرار هجمات الصيادين والصيد الجائر”، داعياً الى “تطوير عمل الجهات المعنية بالشأن وانفاذ القانون على الجميع، لكيلا تفقد صحارينا تنوعها النادر”، مؤكدا ان “بيئتنا العراقية متنوعة وجميلة وبالإمكان ان نخلق منها ونجعلها مرتعا كبيرا للحيوانات والنظام الحشري والنباتي. طبيعة صحارينا وشكلها الطوبوغرافي وتضاريسها الجميلة، من الممكن ان تصلح للسياحة، الا ان هذا الجانب لا يحظى باهتمام المعنيين”.

تهديد حقيقي

وعلى صعيد متصل، يؤكد مدير معهد نيسان المعني بالبيئة، فلاح الاميري، وجود تشريعات قانونية وضوابط نافذة، تعنى بالصيد؛ منها قانون رقم 17 لسنة 2010 والذي يعتمد في مواده القانونية على التشدد في منع الصيد الجائر وغير المجاز، والذي يلزم الصيادين بإخبار الجهات الامنية في المنطقة المحددة.

ويقول الأميري لـ”طريق الشعب”، ان “صحاري العراق تتميز بوجود بعض انواع الطيور النادرة من الجوارح وايضا انواع الزواحف والحيوانات البرية وخصوصا في فصلي الشتاء والربيع لاعتدال الجو ودرجات الحرارة، وتوفر الأعشاب، وتعد هذه البيئة موطن تزاوجها وتكاثرها”.

فيما عزا أسباب تنامي الصيد الجائر الى “الخلل في انفاذ التشريعات القانونية من قبل الجهات الامنية المعنية، واهتمامات وزارتي البيئة والزراعة، فهما الجهتان المعنيتان في الحد من هذا النوع”.

دعوة للتحرك العاجل

إلى ذلك، قال الصياد علي بخيت، إنّ الصيد هواية تحظى بشعبية كبيرة في مختلف دول العالم، والكثير من الدول تنظم مسابقات سنوية في هذا الصدد، مضيفا ان “الصيد إذا ما غادر ضوابطه ومحدداته وأصبح جائراً فهذا من وجهة نظره جرم من الضروري التصدي له وايقافه”.

وأضاف بخيت في حديث مع “طريق الشعب”، ان “ما يحكم الصياد هو اخلاقياته بالدرجة الأساس والضوابط والقوانين التي تضعها الدول التي تحترم طبيعتها وبيئتها والتي يجب على الصياد احترامها”، مبينا ان “عدم احترام الصيادين لهذه الضوابط معناه ان هناك قصورا في الأداء، يجب معالجته، وهذا لا يخفى على أصحاب الشأن”.

وينبه الى “اننا نفقد تدريجياً تنوعا احيائيا مبهرا ونادرا لا مثيل له. وهذا بسبب الكثير من الصيادين العراقيين والأجانب. الكثير من الطيور النادرة التي اعتدنا على رؤيتها سابقا نفتقدها اليوم، لأن البيئة لم تعد آمنة بالنسبة لها والحديث يطول في هذا الصدد، لكن آن الأوان لوضع حد لهذا، لكيلا نتحسر قبل فوات الأوان”.

ويختتم بخيت قائلا: إنّ “المطلوب هو تفعيل القوانين وانفاذها على المخالفين. الشرطة البيئية برغم انها تعمل وتنفذ واجبها، الا ان دورها لا يزال ضعيفاً، ولكن القصور ليس في كوادر الشرطة البيئية، بل العيب في الصلاحيات المقيدة الممنوحة لهم، حيث يجب إطلاق يدهم”.