اخر الاخبار

عوامل وأسباب كثيرة تمتد جذورها الى تسعينيات القرن الماضي تضاف لها سلسلة من الاخفاقات، ساهمت في زعزعة ثقة المواطنين عموماً بالنظام المصرفي العراقي، فلم تكن هناك إجراءات حقيقية من شأنها طمأنة المواطن ودفعه لإيداع امواله لدى البنوك من دون خوف من فقدانها.

ويشكل تعزيز الثقة بين المواطن والنظام المصرفي مكونا أساسيا للاستقرار الاقتصادي وتعزيز التنمية المستدامة، كون المصارف يفترض ان تكون احد اطراف هذه العملية.

وتشير بعض الإحصائيات الى ان قرابة 80 في المائة من الأموال مكتنزة في المنازل.

 وتعد الحكومة والبنك المركزي عمودين أساسيين في هذا السياق، حيث يقع على عاتقهما مسؤولية بناء بيئة مصرفية رصينة وآمنة. كما أن تحقيق توازن بين الرقابة الفعّالة وتطوير آليات للحماية المالية يعدان عاملين مهمين لضمان استقرار النظام المصرفي، وبالتالي بناء جسور قوية من الثقة بين المواطن والقطاع المصرفي.

مشاكل عديدة

الخبير الاقتصادي، د عبد الرحمن  المشهداني ربط فقدان الثقة بالنظام المصرفي بالعام 1990، حين قيد النظام آنذاك سحوبات من ودائع المواطنين في المصارف، بحجة السيطرة وتحقيق نوع من الاستقرار. لكن الاسعار ارتفعت بشكل كبير وجامح ووصلت معدلات التضخم الى مدى كبير، وحين تم السماح للأفراد لاحقا بالسحب كانت ودائعهم بلا قيمة.

 واضاف المشهداني في حديث مع “طريق الشعب”، انه “بعد العام 2003  تم التوسع في تأسيس المصارف، وافلست مجموعة من المصارف، بينما كان البنك المركزي متفرجا، مثل مصارف البصرة والوركاء، فلم تحمَ ودائع الافراد أو مساهمات صغار المودعين”، مضيفا انه “أعقب ذلك افلاس مصارف أخرى مثل الشرق الاوسط ودجلة والفرات والاقتصاد وكانت هناك مصارف تحت الوصاية مثل الشمال”.

وأضاف قائلا: ان “المواطن حين يذهب للمصرف فإنه يفترض انه امين، كونه مضمونا من البنك المركزي، وهذا السبب في زعزعة الثقة حيث تعرضت العديد من المصارف الى الإفلاس، ولم يكُ للبنك المركزي اي دور كما هو الحال في بقية دول العالم، علماً ان هناك مواطنين حتى اللحظة لا يزالون ينتظرون استحصال جزء من أموالهم من مصرف الوركاء ومصرف البصرة، ويتأملون ان تتم تصفية المصرف، منذ 15 عاماً، ولم يجر ذلك، لان السلطات المعنية لم تصدر قرارا او تجرِ تسوية مع المودعين”.

واكد ان “ مثل هذه الامور لا تشجع الافراد على التعامل مع النظام المصرفي. وكانوا قد اسسوا شركة ودائع في عام 2016 وباشرت العمل عام 2019، وقد ساهم البنك المركزي في رأسمالها الى جانب مصارف وشركات تجارية، إذ كانت هذه الشركة تستقطع نسبة بسيطة من ودائع الافراد ونسبة من ارباح المصارف لتعزيز رأسمالها، لكن تعليمات تأسيس شركة ضمان الودائع العراقية، لا نرى فيها ما يحفز الافراد على التوجه نحو البنوك وايداع اموالهم”.

واوضح المشهداني ان “اكثر من 80 ـ 85 في المائة من العملة يجري تصديرها خارج الجهاز المصرفي. ومعلوماتي تفيد بأن حجم العملة المصدرة هو 102 تريليون دينار. ونسمع اليوم ان هناك 90 تريليونا خارج الجهاز المصرفي. ولم تستطع المصارف الاهلية البالغ عددها 79 مصرفا الى جانب المصارف الحكومية ان تستقطب الا 10 في المائة اي 15 تريليونا، وربما هذه تشكل رؤوس اموال هذه المصارف”.

وتابع قائلا ان “قانون ضمان الودائع غير محفز لجذب ودائع الافراد للنظام المصرفي، وفي الوقت ذاته لا يزال النظام المصرفي متخلفا، وعلى سبيل المثال اليوم اغلب الصرافات لا يوجد فيها اموال، بينما يفترض ان تكون هناك رقابة للبنك المركزي على هذه الصيرفات مثل اجهزة الاستشعار المباشر ضمن السيطرة النوعية عن اي جهاز تنفد أمواله لمراقبة المصرف، والوقت الذي يحتاجه للتغذية ليتخذ البنك المركزي اجراء ضد البنك، وهذا غير موجود”.

واكد ان “مبلغ الـ90 تريليون الموجود خارج النظام المصرفي لو وضع نصفه داخل الجهاز لأحدث نقلة نوعية في الاستثمار والبناء، ولو كانت الاموال  موجودة لدى المصارف لمولت مشاريع مختلفة في عموم المحافظات”.

واجهات سياسية ودكاكين صرافة

وعلى صعيد ذي صلة، قال المتخصص في مجال التكنلوجيا والحوكمة، علي انور، ان زعزعة ثقة المواطنين بالنظام المصرفي مرتبطة بجملة من العوامل أولها المصارف غير الرصينة التي تأسست بعد العام 2003، يضاف الى ذلك ضعف الخدمات بشكل عام.

وتابع قائلا لـ”طريق الشعب”، إن “تخلف عدد من المصارف عن تسديد التزاماتها عمق الفجوة اكثر، علاوة على ان مصادر اموال بعض المصارف وتبعيتها لجهات سياسية ساهمتا في ذلك، علماً ان العديد منها ما هي الا عبارة عن واجهات سياسية ودكاكين صرافة، وهذه امور ينبغي التوقف عندها لأنها عوامل مؤثرة”.

ولفت الى ان “اجراءات وحُزم البنك المركزي وفرض الضوابط ربما تكون بارقة امل، لكن في كل الاحوال الامر يحتاج الى وقت لاستعادة الثقة، كما هو الحال في اي قطاع. ومن المفيد الاشارة الى أن الموضوع يرتبط بثقة المواطن بالحكومة والنظام السياسي عموماً”.

وزاد اور بالقول: ان “المواطن لا يثق بالمنظومة السياسية ومن ضمنها النظام المصرفي”، مبينا ان معالجة ذلك ترتبط بإيجاد مصارف حقيقية وخلق منافسة، وان تكون هناك رقابة ذات كفاءة عالية، من اجل ضبط هذه المصارف، وفيما بعد يجري الشروع بمكافحة غسل الاموال. ولا مشكلة في ان يكون هنالك 40 مصرفا بدل الـ80، تعمل بخدمات افضل ورصانة جيدة”.

ويستدرك بالقول ان “العقوبات الاخيرة على المصارف ساهمت هي الاخرى بزعزعة الثقة اكثر، فهناك مواطنون مودعون للدولار في هذه المصارف، وهذا يخلق حالة من الخوف والامر ذاته بالنسبة للعملة المحلية فالسوق الموازي يخلق مشكلة في ان تفقد العملة قيمتها”.

وخلص الى القول: ان “الحوكمة بكل اشكالها سواء المؤسسية وتكنلوجيا المعلومات واعادة الهيكلة وزيادة رأس المال، تعزز ثقة المواطن، علماً ان الحوكمة الالكترونية في المصارف هي الافضل بين كل القطاعات الاخرى، كون البنك المركزي أصدر ضوابط صارمة، وفرضها على المصارف ومعظم المصارف التزمت خوفاً من الغرامات”.