تركت الحضارات العراقية إرثاً عريقاً في بلاد النهرين، تمثل بالآلاف من المواقع والقطع الاثرية التي نقلت لنا قصصا واحداثا من ذلك الزمن، عبر ما نقش عليها من رموز وتصاميم.

وبالرغم من رمزيتها واهميتها، فإن هذه المواقع تعيش اهمالاً شديداً من قبل الجهات الحكومية، ما يسبب لها أضراراً كبيرة، يضاعفها التأثير السلبي للتغير المناخي عليها.

وسجل العراق في العامين الماضيين، هبوب أكثر من عشر عواصف رملية كبيرة، فيما ما زالت المخاوف قائمة بشأن هبوب المزيد، في ظل تواصل مسبباتها، كزحف الرمال وزوال الغطاء النباتي من اراض واسعة وتقلص المساحات المزروعة وتفاقم الجفاف. 

المناخ والآثار

يقول المختص بالآثار والتراث، حسن حميد، أن “العراق من أكثر البلدان تأثراً بالتغيرات المناخية، وظهرت تداعياته السلبية على قطاع الاثار، لا سيما أن العراق من أقل دول العالم نشاطاً في مواجهة اثار هذه التغيرات”.

ويضيف حميد في حديث مع “طريق الشعب”، أن “نقص المياه وانحسار كميات الامطار خلال السنوات الأخيرة، قادا إلى ارتفاع تراكيز الاملاح في التربة وزيادة العواصف الرملية، وبالتالي تآكل اقسام من المواقع الاثرية”.

ويشير الى أن “المشكلة تكمن في التغيرات المتسارعة بين درجات الحرارة في فصلي الصيف والشتاء؛ اذ تنخفض الى ما دون الصفر شتاءً، فيما ترتفع لأكثر من 50 درجة مئوية صيفاً، خاصة في محافظات الجنوب”.

ويلفت الى أن العواصف الغبارية تؤثر على سلامة هياكل الأبنية الأثرية عن طريق حملها للغبار الملوث، ما يزيد من احتمالية ظهور تشققات وتصدعات في المناطق الأثرية. وعددت الأمم المتحدة، التي اعتبرت العراق احدى الدول الخمس الأكثر تأثراً بتغير المناخ، جملة من التحديات البيئية التي يواجهها، تتمثل في موجات الحر الطويلة وانخفاض معدل هطول الأمطار وفقدان الأراضي الخصبة واشتداد ملوحة التربة وعدم كفاية الاستثمارات في البنية التحتية ونقص المياه العابرة للحدود وانتشار العواصف الترابية، ولم يعالج العراق أيا من هذه التحديات حتى الان.

ويتحدث المختص حميد بهذا الشأن عن “ام العقارب”، إحدى أهم المدن السومرية في جنوب بلاد الرافدين، والتي كانت تتمتع بدور مميز خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد. وبلغت ذروة مجدها تحديدا عام 2350 قبل الميلاد، فيقول بأنها تعيش معاناة كبيرة جراء تأثيرات التغيرات المناخية، بالإضافة إلى ما يتعرض له الموقع من أعمال نهب متكررة، بسبب غياب الحراسة الجيدة. ولهذا يتنبأ باختفاء أكثر من 80 في المائة من الموقع، في حال استمر الإهمال الحكومي على هذا النحو وغابت الحلول الواقعية والحقيقية.

السياحة

وعلى الرغم من التأثيرات السيئة للتصحر والجفاف على الآثار العراقية، فقد أدى انخفاض منسوب المياه في اهوار مدينة ذي قار الى ظهور عدد من الآثار المدفونة تحت المياه، بحسب الباحث الآثاري عامر عبد الرزاق، الذي أكد في حديث لـ “طريق الشعب”، أن “الظروف الجوية والتقلبات المناخية، سببت تدميرا لعدد كبير من الاثار في محافظة ذي قار والمحافظات الأخرى؛ فالملوحة هي العدو الأول للمواقع الاثرية، بسبب تأثيرها على البناء الطيني. ومن المعروف ان اغلب الاثار العراقية بُنيت من الطين”.

ويلفت الباحث عبد الرزاق الإنتباه الى ان “هذه الاضرار تؤثر أيضا على الجانب السياحي للبلاد، وللعاملين في مجال السياحة عموماً”.

تهديد

أمّا الخبير التراثي مصطفى الغزي فيقول بأن “التغيرات المناخية باتت تشكل تهديدا حقيقيا لوجود الكثير من المواقع والمباني الأثرية المدرجة ضمن التراث المحلي والعالمي، والتي تعكس جانبا ثقافيا وحضاريا من المجتمع العراقي”.

ويضيف في حديث مع “طريق الشعب”، ان هناك تخصصات جديدة ظهرت في مجال الحفاظ على التراث الثقافي، الذي أصبح علماً قائماً بذاته، مطالبا بتكثيف الجهود الحكومية حول الاهتمام بالآثار ووضع ميزانيات تلائم معالجة المخاطر التي تلحق بها.

ويؤكد أن “العديد من المختصين رصدوا وجود تأثير سيئ للمناخ الحالي على سلامة وعمر المباني الأثرية والتراثية في العراق، والتي صنفوها إلى تأثيرات بسيطة ومتوسطة الشدة وعميقة”، مبينا أن “جميع الأصناف تتطلب وضع خطط صيانة مستدامة لتلك المباني، بما يضمن حمايتها، ومحاولة تدعيم الأجزاء المتضررة والمتهالكة منها”.