اخر الاخبار

شارفت المرحلة الاولى من المسح الاجتماعي والاقتصادي، الذي نفذته وزارة التخطيط اواخر العام الماضي، بهدف تكوين قاعدة بيانات عن واقع الفقر في العراق، على الانتهاء.

ووفقا للوزارة، فإن من المفترض أن يوفر هذا المسح، الذي يُّنفذ باستشارة دولية من منظمات مختصة، مؤشرات مهمة عن خط الفقر والبطالة وواقع السكن ومستوى الإنفاق على مختلف المجالات.

وفيما تستعد الوزارة للإعلان عن نتائج المسح قريباً، والشروع بتنفيذ المرحلة الثانية منه، والتي قد تمتد حتى شهر حزيران من العام الحالي، وتستهدف وضع استراتيجية متكاملة للتخفيف من الفقر، يؤكد معنيون ان مثل هذه الاستراتيجيات ينبغي أن ترتبط بعمليات تنموية وإصلاحات اقتصادية جادة، حتى تحقق غاياتها.

الفقر في العراق

وفي الوقت الذي وصل فيه عدد الفقراء في العراق، حسب إحصائيات وزارة التخطيط لعام 2023، الى عشرة ملايين مواطن، أي بنسبة تجاوزت 25 في المائة من عدد السكان، وبزيادة مليوني مواطن عن العام 2020، اعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أنّ العدد الكلي للمشمولين بإعانة الحماية الاجتماعية وصل إلى سبعة ملايين نسمة، فيما أشار رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الى انخفاض مستويات الفقر في البلاد.

خماسي الأبعاد

يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، إن هذا المسح «دوري ويجري كل سنتين، لكن تأخر إجراؤه في السنوات الاخيرة، 2019-2022، بسبب جائحة كورونا وعدم اقرار الموازنة في العام 2020».

ويضيف أنه في حديث لـ «طريق الشعب»، انّه «في العام الحالي 2023، تم تنفيذ مرحلته الاولى وسيتم تنفيذ المرحلة الثانية منه في العام 2024».

ويتابع الهنداوي، ان «المسح يشمل كل محافظات العراق واقليم كردستان عبر اختيار عينات عشوائية بأسلوب احصائي معروف، وهذه العينات العشوائية تمثل المجتمع بكل تفاصيله، مثل الحضر والريف والمناطق الفقيرة والمناطق الغنية».

وعن أهداف هذا المسح الذي تجريه وزارته، يبين الهنداوي إنه يستهدف تكوين قاعدة بيانات عن واقع الفقر في العراق، مؤشراته، والمحافظات والأقضية الأكثر تضرراً منه، وبالتالي يمكن بموجب هذه المعطيات تحديد خط الفقر في العراق والمناطق التي تسجل مؤشرات عالية ويجب العمل على تحسين وضعها.

ويذكر ان «المرحلة الأولى بدأت في شهر تموز من العام الماضي وانتهت في كانون الاول الماضي، ثم تبدأ المرحلة الثانية، من شهر كانون الثاني حتى شهر حزيران من العام الحالي».

وينبّه الى أن «المرحلة الأولى ستعطينا بيانات أولية بشكل أو بآخر عن مؤشرات الفقر، لكن بانتهاء المرحلة الثانية، ستكتمل البيانات التفصيلية».

ويؤكد أن خارطة الفقر في البلاد «تغيرت خلال هذه الفترة مما يستوجب قراءتها وتحديثها من جديد، وعلى اساس هذه القراءة والتحديد سيتم وضع الاستراتيجية وتحديد الأهداف الأساسية لها».

ويصف الهنداوي الفقرَ في العراق بأنه «خماسي الأبعاد»، إذ يشمل الدخل والصحة والتعليم والسكن والغذاء، معتبرا هذه الابعاد الخمسة «تمثل مرتكزات ومسارات الاستراتيجية واهدافها، فعندما نتحدث عن مكافحة الفقر وتخفيفه، علينا ان نتخذ سياسات واجراءات لتحسين التعليم والصحة والسكن والغذاء والدخل للفقراء».

ويخلص الى انه «على هذا الاساس ستتم الاستفادة من البيانات التي سيوفرها المسح الاقتصادي والاجتماعي للأحوال المعيشية في العراق». ووعد بأن تعلن النتائج الأولية، وليست التفصيلية في شهر كانون الثاني او شهر شباط المقبل.

إصلاحات وتنمية 

من جانبه، اكد الخبير الاقتصادي د. همام الشماع ان «استراتيجية مكافحة الفقر لا يجب ان تقتصر على تقديم مساعدة مالية للفقراء، بل النهوض بالاقتصاد ككل حتى لا يكون هناك فقراء، وهناك مثل معروف يقول (اعطه سنارة بدلا من ان تعطيه سمكة)، لان الفقراء يجب ان يعتمدوا على قدرات مستدامة وقوية في الحياة».

وقال الشماع في حديث مع «طريق الشعب»، ان «أية استراتيجية لمكافحة الفقر في بلد مثل العراق يجب ان تبنى على التنمية، لا على تقديم مبالغ للإعانة الاجتماعية، التي صارت تغطي حوالي مليون عائلة، لأن هذا يعني المزيد من التدمير للاقتصاد العراقي».

وتساءل د. الشماع عمّا فعلته وزارة التخطيط منذ سنوات للحد من الفقر، وما فعلته الحكومات المتعاقبة من اجل النهوض بمستوى الحياة الاقتصادية.

وتساءل «ماذا عن توفير فرص العمل، التعليم، خلق الأجواء المناسبة للحد من الفقر ودمج الفقراء في الحياة الاقتصادية؟»، مجيبا «لا شيء تقريباً».

ولفت إلى أن كل الجهود «تكرس اليوم لتقديم الدعم المالي او ما يسمى رواتب الرعاية الاجتماعية، وهذه الرواتب هي أساسا غير مستدامة لأنها مرتبطة بإيرادات النفط، ولو انخفضت هذه الإيرادات، ستتوقف هذه الاعانة، لأن الاولوية عندئذ ستكون لصرف رواتب موظفي الدولة، وسيصبح الفقراء معدمين تماما».

ووصف الشماع ما يجري بأنه «محاولات من الجهات السياسية لذر الرماد في العيون من جهة والادعاء بانها قامت بجهود لمعالجة مستويات الفقر في العراق. إنه مجرد عرض اعلامي اكثر من ان يكون حقائق تجري على ارض الواقع، لذلك يجب ان تكون الانطلاقة من التنمية واجراء اصلاحات اقتصادية حقيقية».

نهاية حتمية للزبائنية

ويؤكد مدير هيئة الرعاية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، احمد الموسوي، أن حوالي 10 ملايين الى 11 مليون عراقي، يعيشون تحت خط الفقر، وفقا للإحصائيات الرسمية.

ويذكر الموسوي، ان اعداد العراقيين تقترب من 43 مليون نسمة، ووفقا للإحصائيات الرسمية الصادرة فإن 23 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

الباحث في الشأن الاقتصادي احمد محمد، يقول إن «خطوات محاربة الفقر في العراق لا تعدو عن كونها محاولات لاستمالة الناس عبر توزيع الفتات عليهم من خلال اعانات الرواتب الاجتماعية وزيادات بسيطة في رواتب المتقاعدين».

ويضيف محمد لـ «طريق الشعب»، أن «خطط مكافحة الفقر يجب ان تبنى على أساس خطط علمية تعتمد على خلق فرص العمل وتنمية الصناعة الوطنية واحياء الصناعات المندثرة».

ويشير الى ان «الساسة المتنفذين يعتقدون ان موارد النفط يمكنها أن تحميهم الى الابد، وهذا اعتقاد غير صحيح»، معتقدا ان «المشكلة ستتفاقم خلال الفترة المقبلة، وسيصل الحال الى عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه المواطنين، وحينها ستنتهي مرحلة الزبائنية التي اعتاشت عليها الكتل السياسية المتنفذة طيلة السنوات الماضية».