اخر الاخبار

يواجه تلاميذ العراق وطلبته، منذ أكثر من 20 عاماً، أزمة فقدان الركائز لتأمين مستوى تعليمي جيد. فبالرغم من انقضاء منتصف العام الدراسي الحالي، لا يزال قسم كبير من التلاميذ بلا كتب مدرسية.. تلك المشكلة التي باتت تتكرر سنويا. في حين لم تعالج السلطات المعنية مشكلات نقص المقاعد في الصفوف، وتهالك المباني المدرسية، ونقص الكوادر التعليمية، وضعف تدريس المواد العلمية.

ومنذ انطلاق العام الدراسي الحالي، حدث إرباك شديد في العملية التعليمية، بسبب عدم توزيع الكتب المنهجية على التلاميذ والطلبة، الأمر الذي اضطر أولياء أمورهم إلى شراء تلك المناهج من الأسواق بأسعار باهظة تتراوح بين 5 و7 آلاف دينار للكتاب الواحد، بعد أن استنزفت القرطاسية والأزياء المدرسية وأجور النقل وغيرها من مستلزمات الدراسة، جيوبهم!

واستمرت مشكلة نقص المناهج، بالرغم من إعلان وزارة التربية منذ بداية العام الدراسي، انها شرعت بتوفيرها لتغطي حاجة جميع المدارس.

واقع كارثي

يقول المشرف التربوي في محافظة نينوى عبد الناصر محمود، أن “الواقع التعليمي في العراق كارثي، ويشبه الخدمات السيئة للكهرباء والمياه والأحوال المزرية للطرقات.. تلك المشكلات التي تظهر من دون أن يجد لها المسؤولون حلولا”، مبينا في حديث صحفي أن “أعداد المدارس لا تكفي لاستيعاب التلاميذ. لذا تعمل المدارس بدوامين أو حتى ثلاثة، ويتراكم التلاميذ داخل صفوفها وصولاً إلى 80 في بعضها، ما يؤثر في قدرتهم على الاستيعاب. ناهيك عن المدارس الكرفانية التي تنتشر في الأرياف وأحياء بعض المدن”.

هل لا يزال التعليم مجانيا؟!

على ضوء التدهور الذي يشهده القطاع التعليمي الحكومي، ازداد التوجه نحو الاستثمار في التعليم. إذ اتسعت ظاهرة افتتاح المدارس الأهلية، إضافة إلى رياض الأطفال والجامعات. ومقابل ما توفره تلك المؤسسات الخاصة من بنى تحتية ووسائل تعليمية حديثة وكوادر اختصاصية وأجواء دراسية جيدة، تفرض على التلميذ أو الطالب أجورا دراسية باهظة يصعب على الفقراء ومحدودي الدخل تأمينها.

وتدفع العائلات سنويا عن كل طالب في المدارس الخاصة، بين مليون ومليوني دينار وأحيانا أكثر، حسب المرحلة الدراسية ونوعية التدريس. وهذا المبلغ يمكن أن توفره قرابة 30 في المائة من العائلات ذات الدخل المتوسط، كونه يُسدد على شكل أقساط، وليس دفعة واحدة. أما العائلات الفقيرة وذات الدخل المحدود، فمن المستحيل أن تقوى على تأمين مثل هذه المبالغ.

وفي هذا السياق، يرى المواطن محمد سالم من محافظة واسط، أن “وجود هذا العدد الكبير من المدارس والجامعات الخاصة، يدل على أن التعليم الحكومي في العراق لم يعد مجديا”! مضيفا في حديث لـ “طريق الشعب”، أن “التعليم الحكومي بدأ يفقد صفته المجانية. فكل المستلزمات التي كانت توفرها الدولة، من مناهج دراسية وقرطاسية وأزياء مدرسية ووسائل نقل، وحتى وجبات الطعام، باتت اليوم، في ظل الإهمال والفساد والمحاصصة، تقع مسؤوليتها على كواهل أولياء الأمور”!

تغيير المناهج الدراسية

من جانبها، تنتقد المدرّسة أمل محمود نظر، “تكرار تغيير وزارة التربية المناهج الدراسية، وإلغاء مناهج أساسية مثل مادة الاقتصاد المنزلي في مدارس البنات، ومادة الاقتصاد للصف الخامس العلمي، ودروس الرسم والفن، فضلا عن ضعف الاهتمام بالرياضة رغم أهميتها للتلاميذ”.

وتقول في حديث صحفي، أن “هناك أسبابا عديدة لتدهور التعليم، أبرزها وجود ثلاث دورات للامتحانات، وتطبيق الدوام المزدوج، وتضارب القرارات الإدارية، ونقص المدرسين، وتقادم المباني المدرسية وعدم صيانتها، إضافة إلى مشكلة النقص الحاد في الكتب المدرسية التي تتكرر كل عام، ما يضطر إدارات المدارس إلى منح الأطفال الكتب القديمة”.

وكان وزير التربية السابق علي حميد الدليمي، قد ذكر في تصريح صحفي أن العراق يحتاج الى 9 آلاف مدرسة للتخلص من ظاهرة الدوام المزدوج، وان الوزارة بحاجة إلى 6 أو 7 أعوام لمعالجة هذا النقص.

أما المدرّسة ديما فائز، فترى أن “أبرز الصعوبات التي تواجه هيئات التعليم والتلاميذ هي تهالك المدارس، وازدحام الصفوف، ونقص المدرسين، والدوام المزدوج”، لافتة في حديث صحفي إلى أن “المدرسة لم تعد بيئة صحية تجذب الأطفال. فيما تتحمل وزارة التربية مسؤولية هذه الأوضاع”.

وتشير ديما إلى أنه “مع بداية كل عام دراسي تتكرر معاناة الأهالي والتلاميذ إثر غلاء الملابس المدرسية والكتب والدفاتر. علماً أن بعض الأهالي تبرعوا لبناء مدارس، أو إنشاء مرافق صحية في مدارس أبنائهم. وأعتقد أن تخلّف التعليم الحكومي هو نتيجة السياسات التعليمية، التي تشجع على هيمنة التعليم الخاص”.

هل ستتجه الحكومة إلى معالجة الأزمة؟!

تؤكد لجنة التربية البرلمانية أنها تسعى إلى تخصيص 4.8 في المائة من الموازنة لقطاع التربية، من أجل انتشاله من واقعه المزري، وخفض نسب تسرب التلاميذ العالية. في حين يتوقع اختصاصيون أن يرتفع عدد التلاميذ في البلاد إلى نحو 13 مليوناً خلال العام الدراسي القادم بسبب الزيادة السكانية، ويترافق ذلك مع نقص كبير في المدارس والكوادر التعليمية، إضافة إلى مشكلات أخرى جعلت بيئة التعليم منفرة للتلاميذ في بلد يحتل مقدمة ترتيب الدول المصدرة للنفط في العالم!

يقول المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد، أن “الوزارة بدأت استعداداتها مبكرا لتجهيز مستلزمات التعليم، وتنفيذ إجراءات تسجيل التلاميذ”، مستدركا في حديث صحفي “لكن التحدي الأكبر هو نقص المباني المدرسية في ظل الحاجة إلى أكثر من 9 آلاف مدرسة. علماً أن العام الحالي يختلف على صعيد الشروع بتنفيذ مشاريع المباني المدرسية بإشراف الوزارة أو الشركة الصينية التي أبرمت السلطات عقداً معها”.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسِف)، قد كشفت في تقرير سابق عن وجود 2.3 ملايين طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس، مؤكدة أن “عقوداً من الصراع وغياب الاستثمارات دمرت النظام التعليمي في العراق الذي كان سابقاً يعتبر بين الأفضل في المنطقة، ما أعاق بشدة وصول الأطفال إلى تعليم جيد”.

وفي حين يعاني العراق وجود 12 مليون شخص أمّي، فشلت البلاد في الوصول إلى أدنى المراتب في التصنيف العالمي لجودة التعليم عام 2021، وظلت خارج التصنيف الدولي، بحسب مؤشر مستويات التعليم في العالم الذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، والذي اعتبر العراق وسورية واليمن من بين الدول غير المصنّفة بسبب عدم توفر معايير جودة التعليم فيها!