تعتبر أزمة السكن في العراق، واحدة من أكبر الأزمات التي تعاني منها البلاد، في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية، واستشراء للبطالة والفساد. ورغم ما أطلقته الحكومة من وعود لحل المشكلة، وتأكيداتها المتكررة على أن معالجة أزمة السكن تندرج ضمن أولويات برنامجها الحكومي، ورغم بناء الكثير من المجمعات السكنية الفاخرة، التي لا يمكن للمواطن البسيط، وحتى أبناء الطبقة الوسطى، شراء وحدة سكنية فيها، تشتد حدة المشكلة كل يوم، لاسيما مع زيادة عدد السكان وتغير بعض الأنماط الاجتماعية للعيش والسكن.

يدعو الحزب الشيوعي العراقي إلى توفير ضمانات العيش الكريم للمواطنين من خلال معالجة أزمة السكن عبر استراتيجية إسكانية متكاملة تقوم على سياسة تجمع بين مشاريع إسكان تمولها الدولة للفئات والشرائح ضعيفة الدخل، مع التركيز على بناء المجمعات السكنية والاهتمام بالبناء العمودي، وتيسير الإقراض العقاري للفئات متوسطة الدخل. هذا إضافة إلى توفير السكن الملائم للعوائل ذوات الدخل المحدود بأسعار منخفضة.

من برنامج الحزب الذي أقره المؤتمر الوطني الحادي عشر 2021

الأزمة في تصاعد

وتشير التقديرات الأولية إلى أن البلد بحاجة إلى أكثر من 5 ملايين وحدة سكنية، فيما لا يتعدى عدد الوحدات السكنية المقامة 10 آلاف وحدة سنوياً، في وقت لم تنفذ فيه حتى الآن، أية مشاريع استثمارية لإنشاء المجمعات السكنية، التي خططت لها وزارة الإعمار والإسكان، لمواجهة الزيادة المضطردة في عدد السكان من جهة والنقص الشديد في عدد المساكن من جهة مكملة.

وكانت الحكومة قد قررت إنشاء خمس مدن جديدة، محدّدة مدة إنجاز هذه المدن السكنية بثلاث إلى خمس سنوات. كما قررت ومن خلال صندوق التنمية، شراء الوحدات السكنية الجاهزة، التي سيتولى تنفيذها مستثمرون في مدن جديدة، وتخصيصها للمواطنين بحسب مستويات الدخل، على أن تُستوفى أثمانها بأقساط مُريحة بالنسبة لهم وخلال فترات طويلة.

وفي الوقت الذي يوجد فيه الكثير من المعرقلات والمعوقات في مجال الاستثمار، حيث تطلب الشركات العالمية الرصينة في قطاع السكن توفير الأمان وسيادة القانون وترفض التعامل مع إدارات فاسدة، تتصاعد شكوك قوية بطبيعة الشركات الاستثمارية المنفذة لمشاريع البناء، وبجودة المواد التي تستخدمها، إضافة لوجود مخاوف من سيطرة شركات تابعة لجهات سياسية أو مكاتب اقتصادية لأطراف متنفذة، ليس على البناء فقط، بل وحتى على توزيع المنجز. وتأتي المخاوف من قيام المتنفذين بتغطية عيوب الشركات المستثمرة والعاملة، واستغلال عمليات توزيع المساكن المنجزة في شراء الذمم أو في ابتزاز المحتاجين والمضطرين 

استثمار أم نهب

من جهة أخرى، وجه العديد من الخبراء والمراقبين انتقادات حادة لخطط الحكومة، لا لكونها لم تنفذ فحسب، بل ولأنها لا تتناسب مع واقع المجتمع، الذي يعاني 11 مليون من أبنائه من فقر مدقع، وتشهد أسواق العقار فيه أسعاراً خيالية، ويحقق المستثمرون فيه أرباحاً تتجاوز 500 بالمائة، دون أن يضيفوا شيئاً مفيداً للمجتمع الغارق في الأزمة. ويشيرون إلى أن هناك عقارات تكون مدعومة من الدولة من خلال بناء مجمعات يحصل المستثمرون بموجبها على أراضِ بأسعار رمزية لكن يتم بيعها بأسعار عالية (وصلت إلى 2000 دولار للمتر المربع)، لا تتلاءم مع أصحاب الدخل المحدود، مما يعمق من التفاوت الطبقي في المجتمع ويخلق المزيد من الإستقطاب بين الأغنياء والفقراء. ويُفقد هذه المشاريع، التي لم تنجح في معالجة الأزمة، جدواها الاقتصادية ويحولها إلى عمليات تبديد للأموال، بدل استثمارها في مشاريع انتاجية وخدمية، ترفد الناتج القومي وتخلق فرص عمل للعاطلين.

ويدعو الخبراء إلى وضع ضوابط أو شروط على المستثمر، وأن لا يكون الاستثمار عبثيا، مقترحين بناء ثلاثة أنواع من المجمعات، فارهة وغالية الثمن، وأخرى متوسطة ومعتدلة التكاليف، ومجمعات واطئة الكلفة لذوي الدخل المحدود والشرائح المعدمة، وأن يُلزم المستثمرون بهذه الخطة، لتصبح المشاريع مجدية.

غسيل أموال

من جهة متصلة، يرى المختصون بأن السبب وراء ارتفاع أسعار العقارات، يكمن في سيطرة المتنفذين عنوة، على أراضٍ وعقارات تابعة للدولة، وخاصة ذات المواقع المتميزة، ثم إعادة بيعها في السوق، وكذلك في وجود مبالغ طائلة من الأموال غير المشروعة التي راكمها الفاسدون وقاموا بضخها في سوق العقارات عبر وكلاء لهم، بهدف تبييضها، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات جنونية. كما يربطون بين ذلك وبين إجراءات البنك الفيدرالي الأمريكي في تجميد أرصدة البعض أو الحد من تهريب الدولار، وتذبذب سعر صرف العملة الوطنية، معتبرين ظاهرة بناء الفلل والعقارات الفاخرة حالة غير صحية اقتصادياً، وتشير في كثير من الأحيان إلى عمليات غسيل للأموال.

مشكلة العشوائيات

وتبرز في قطاع الإسكان أيضاً مشكلة كبيرة، ذات تأثيرات سلبية مريعة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وبالتالي على أمنها واستقرارها السياسي، وتتمثل في وجود أكثر من 4 آلاف تجمع سكني عشوائي، يسكن فيها أكثر من 4 ملايين مواطن (أي ما نسبته 10 بالمائة من الشعب)، وتفتقد لأبسط مستلزمات الحياة الكريمة. وعلى الرغم من قيام مجلس النواب بقراءة ثانية لقانون العشوائيات، الذي يعّد من القوانين المهملة، إلاّ أنه لم ير النور حتى الآن، بسبب التدافع بين كتل المجلس المتصارعة على الثروة والسلطة، تاركين الفقراء من سكنة العشوائيات غارقين في البؤس الشديد.

السكن العمودي

لم يتمتع البناء العمودي ولسنوات طويلة، بشعبية ما بين العراقيين، إلاّ أنه بات اليوم أحد خياراتهم في مواجهة أزمة السكن المتفاقمة، لا سيما بعد أن شهدت أسعار العقارات في البلاد ارتفاعاً فاحشًا، وبعد تراكم أخطاء الحكومات المتعاقبة وفشلها في معالجة الأزمة أو في تنظيم حياة المضطرين للعيش في العشوائيات أو في منع تجريف عشرات الآلاف من الأراضي والبساتين الزراعية. ويرى مختصون بأن تحول البناء العمودي لنقطة جذب يعتمد على مدى توفر الخدمات فيه وتناسب أسعاره مع دخول المواطنين، حيث يمكن أن يشكل حلاً مهماً. كما يرون ضرورة القيام ببناء المساكن وتوزيعها على الناس بدل توزيع الأراضي، حيث يعجز أصحابها عن بنائها. a