يعكس ارتفاع معدلات الطلاق بشكل واضح تردي الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وما يتركه ذلك من اثار سلبية على الاسرة العراقية.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى، أخيرا، إحصائية الزواج والطلاق لشهر تشرين الثاني الماضي، كشف فيها عن تسجيل أكثر من 6620 حالة طلاق، أي بمعدل 220 حالة يومياً.

احصائيات العام 2023

وحسب ما تم رصده خلال النصف الأول من 2023، فقد سجل العام أعلى احصائية لحالات الطلاق، وصلت إلى 6728 حالة، أي بواقع عشر حالات في الساعة الواحدة، كما تم تسجيل 4259 حالة تصديق طلاق خارجي في المحاكم العراقية باستثناء إقليم كردستان، فضلا عن 1549 حالة تفريق بحكم قضائي.

وتصدرت محكمة استئناف بغداد – الرصافة، حالات تصديق الطلاق الخارجي بواقع 655 حالة، فيما كانت حصة محكمة استئناف بغداد – الكرخ، 377 حالة تفريق بحكم قضائي.

وكان لشهر تموز، خصوصية في ذلك، حيث أعلن مجلس القضاء الأعلى عن حدوث 5808 حالات طلاق في عموم البلاد، باستثناء محافظات إقليم كردستان العراق الثلاث، وهو ما يعني حصول قرابة 193 حالة طلاق يومياً في المحاكم العراقية، اي بمعدل 8 حالات في الساعة الواحدة.

احصائيات الاعوام الماضية

وقياسا بالأعوام الماضية سجل العراق قرابة “61276” حالة طلاق خلال 10 أشهر فقط من العام الماضي، كانت كالاتي: في كانون الثاني 6486، وفي شباط 5815، وفي اذار 6606، وفي أيار 5270، وفي حزيران 6330، وفي تموز 4827، وفي أب 6491، وفي أيلول 5569، وفي تشرين الأول 6987، وفي تشرين الثاني 6895، فيما لم ترد اي إحصائية رسمية في نيسان.

وبالنسبة للعام 2021 فقد سجل مجلس القضاء الأعلى، أكثر من 73 ألف قضية طلاق، وهي حصيلة مماثلة لحصيلة العام 2018. وخلال العقد الممتد بين 2004 و2014، انتهى زواج واحد من بين كل خمس زيجات بالطلاق، حيث سجلت 516784 حالة طلاق من بين 2.6 مليون زيجة.

وفي احصائيات رسمية اخرى سجلت المحاكم العراقية 1498 حالة طلاق لنساء لم يبلغن الخامسة عشرة خلال عام 2020، و2594 حالة خلال العام 2021.

من اسباب الظاهرة 

تصف الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، سارة جاسم، ارتفاع معدلات الطلاق بالأمر المتوقع الذي تقف خلفه العديد من الاسباب، والذي يحتاج الى معالجات جادة عبر قوانين فاعلة ورادعة. 

وتقول جاسم في حديث مع “طريق الشعب”، انه “منذ سنوات تتكر هذه النسب والاحصائيات، وتتنامى عاماً بعد اخر، ولعدة اسباب منها العوامل الاقتصادية، وبالدرجة الاساس زواج القاصرات، الذي يتم من بين زيجات اخرى، خارج المحاكم، ويجد فيه البعض منفذاً للتخلص من عبء الفتيات الصغيرات بأسرع طريقة، دون التفكير بالعواقب الكبيرة التي ستمر بها الفتاة”.

ولفتت الناشطة الى ان ذوي الضحية يلجؤون الى تطليق الفتاة “في حال عدم نجاح الزيجة، برغم إنها لم تكمل سن الثامنة عشرة. أي لا تملك عقد زواج رسمي في المحكمة، مما يضطرهم الى تسجيل الطفل، إن وجد، باسم الجد والجدة من اهل الام، اي ان هناك ضياعا بالنسب ايضاً. بينما تخسر الفتاة مستقبلها ودراستها وحياتها، وتكون أمّاً تنتظر الزواج ثانية”.

وأكدت الناشطة هذه الحالات تفرز تفككا اسريا كبيرا. وللأسف لا ينتبه احد اليه؛ حيث يتم التركيز فقط على العنف الأسري كسبب للطلاق، فيما يتم اتهام المدافعين عن حقوق النساء بتشجيعهن على الطلاق”.

وتجد أن “من المهم أن تكون هناك قوانين منظمة لحياة العائلة ورادعة لحدوث ظاهرة العنف الاسري الذي يعد بالتأكيد سبباً رئيسياً من اسباب الطلاق”.

التفكك الاسري

من جهته، يؤكد الباحث الاجتماعي نشوان محمد، ان التنامي المخيف لمعدلات الطلاق، مؤشر خطير على تفكك الاسرة، وسيؤدي بالضرورة الى تفكك المجتمع، وحدوث المزيد من الجرائم.

ويعزو الباحث هذا الارتفاع الى “اسباب ذاتية متعلقة بطرفي العلاقة واسباب موضوعية كالأسباب الاقتصادية والاجتماعية، أو تلك المتعلقة بالجانب الثقافي والوضع العام في البلاد والتغيرات الثقافية وغيرها التي يشهدها المجتمع”.

واكد أن اهم سبب “يقف خلف ارتفاع معدلات الطلاق، هو العامل الاقتصادي. كذلك الزواج بالإكراه، الذي يخلق الكثير من المشاكل التي تؤدي في نهاية المطاف الى الانفصال”، مبيناً انه “في السابق كان الترابط العائلي يحكم الزواج ويمنع انهياره، ونادراً ما يتمرد الأزواج على العائلة ولكن الوضع اليوم اختلف عن السابق”.

واشار الى ان “الكثير من حالات الطلاق التي تشهدها المحاكم العراقية ناجمة عن سوء استخدام الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي من قبل الأزواج. اليوم، الزوج والزوجة، يأخذان ثقافتهما وقناعاتهما من مصادر اخرى مختلفة، إذ يخلق كبار رواد هذه المنصات صورة نمطية غير حقيقية عن الزواج والعائلة والاسرة، سرعان ما تصطدم بالواقع المغاير تماماً عند الزواج”.

ونوه الى ان “هذه النسبة التي اعلن عنها مجلس القضاء الاعلى كبيرة جداً بالنسبة الى مجتمع يعتبر نفسه محافظاً، ويبغض الطلاق وينظر للمطلقة نظرة سلبية”، مشدداً على ضرورة ايجاد “معالجات من خلال مشروع ثقافي توعوي تتبناه الحكومة والجهات الرسمية او حتى التحالف مع المنظمات الدولية المختصة، وتوفير الدعم المادي للطبقات الفقيرة وخلق فرص عمل”.

عرض مقالات: