يترقب العراق اجراء تعداد سكاني خلال شهر تشرين الثاني من العام المقبل، ليكون الأول من نوعه منذ 26 عاماً، وبالرغم من محاولات الحكومات السابقة اجراءه الا انها فشلت لأسباب متعددة منها عدم وجود استقرار سياسي أو أمني وغيرهما.

وفيما يرى اقتصاديون ان خطوات الحكومة العراقية اليوم تبدو أكثر جدية، لكن آخرين يؤشرون غياب البوادر الحقيقية لتنفيذ الإجراءات.

وكان العراق قد أجرى تعدادا سكانيا في العام 1987، اشتركت فيه جميع المحافظات. وتبعه إحصاء عام 1997 أجري دون مشاركة محافظات إقليم كردستان.

متطلبات التعداد

يؤكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي انه «تم وضع خطة ضمن توقيتات محددة لإجراء التعداد السكاني العام المقبل»، لافتا الى وجود العديد من المتطلبات اللازم توفرها قبيل التعداد، واصفا المشروع بانه من «أصعب وأضخم المشاريع التي يمكن ان تجريها أية دولة».

وفي حديث خصّ به «طريق الشعب»، ذكر الهنداوي أبرز تلك المتطلبات، من بينها «توفير الأجهزة اللوحية بمعدل 120 ألف جهاز كون التعداد سيكون الكترونيا، وهذا يتطلب التعاقد مع شركات عالمية، ويحتاج هذا لما يقارب 6 أشهر، بالإضافة إلى وجود حاجة الى إجراء تعداد تجريبي سيكون خلال شهر ايار المقبل».

وقال الهنداوي، «نحتاج الى تدريب العدادين الذين يصل عددهم الى نحو ١٣٣ الف شخص من معلمين ومدرسين وغيرهم، وإجراء عمليات الحصر والترقيم التي تمثل العمود الفقري للتعداد والتي تحتاج الى شهرين او اكثر لإنجازها»، مضيفا أن «هناك حاجة لإنشاء مركز وطني لمعالجة البيانات يتضمن احدث الأجهزة التقنية وتوفير الصور الفضائية للوحدات الإدارية على مستوى المحافظة والقضاء والناحية والقرية، بالإضافة الى توفير التغطية الهاتفية، وشبكة إنترنيت لكل مناطق العراق، حيث يتطلب التعداد الكتروني تناقل البيانات بشكل مباشر وبسرعة ودقة عالية».

ويشير الهنداوي إلى ان «موازنة ٢٠٢٣ خصصت مبلغ ١٠٠ مليار دينار عراقي لإجراء التعدد السكاني. ومن المؤمل ان يتم تخصيص أموال إضافية في موازنة العام المقبل لاستكمال بقية الإجراءات».

ضرورة «ملحة»

ويؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي أحمد عيد، أهمية الإحصاء السكاني كركيزة أساسية لتنمية الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في أي دولة. فيما يعزو تجاهل الحكومات المتعاقبة لإجراء التعداد السكاني في العراق منذ 2003 إلى دوافع سياسية وطائفية، ما أدى إلى الاعتماد على بيانات قديمة وغير محدثة في أعقاب غزو العراق.

ويضيف خلال حديثه مع «طريق الشعب»، انه «بعد مرور أكثر من 26 عاما على آخر إحصاء سكاني أُجري في العراق عام 1997، اعتمدت الحكومات العراقية في السنوات التي تلت الاعتماد على بيانات قديمة، ما أسفر عن حالة من الإرباك بسبب غياب بيانات دقيقة وواقعية».

ويرى عيد أنه في ظل غياب قاعدة بيانات قوية «يظل البلد تحت رحمة التوقعات والتخمينات التي تستند إلى أسس طائفية وحزبية، مما يزيد من مستويات الفساد في مختلف المؤسسات، وأثر سلبا على مستقبل التنمية. وبرغم الحاجة الماسة لإجراء التعداد، الا ان العمل يفتقر إلى أية بوادر لتنفيذه، انما تظل التصريحات الحالية مجرد تعبير عن حجم الخسائر المحتملة من جراء إجراء التعداد».

ويشدد بالقول على ان «التعداد ضرورة وطنية ملحة، يجب تنفيذها بانتظام كل 8 سنوات، وإذا تمت إدارته بمهنية وعلمية فعّالة ونزيهة، فإنه لن يكلف الدولة الكثير من الاموال».

وفي سياق تفادي الإنفاق الزائد على صفقات فساد وتمويل حزبي وسياسي، يُقترح عيد جعل موازنة التعداد جزءًا من الموازنة العامة للدولة.

جدية حكومية

من جانب اخر، يرى الاقتصادي إبراهيم الشمري أن «الحكومة الحالية تظهر جدية في إجراء التعداد السكاني لأسباب متعددة منها وجود أهمية لمعرفة عدد سكان العراق لتمكين الحكومات من إعداد موازنات تأخذ في الاعتبار الكثافة السكانية. ويعتبر هذا جزءًا من استراتيجية التنمية الاقتصادية والخطة الخمسية التي أعدتها الحكومة».

ويردف عيد، أن التعداد السكاني يرتبط أيضا بانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات: «يجب أن يستندوا إلى التعداد السكاني»، مشيرا الى الدستور العراقي الذي ينص على تمثيل عضو لكل 100 ألف نسمة.  وعدّ عيد التعداد السكاني «ضرورة سياسية لضمان التمثيل العادل».

وبالحديث عن الاثار السلبية لعدم إجراء التعداد، يبين انه يحرم المحافظات من توزيع الموارد الاقتصادية والنفطية بشكل عادل، كما يجعل الحصول على بيانات دقيقة حول الكثافة السكانية والحصص الانتخابية ضروريا لتحقيق توازن في الموازنة، وتحسين التوزيع العادل للموارد.

وطالما ظلت البلاد طوال السنوات الماضية تعتمد على ارقام تقريبية صادرة عن مؤسسات ومراكز أبحاث غير رسمية، قبل أن تصدر وزارة التخطيط في عام 2022 تقديراتٍ بأن عدد سكان العراق بلغ أكثر من 42 مليون نسمة.

عرض مقالات: