تعاني محافظة كربلاء من تناقص أراضيها الزراعية نتيجة لظاهرة التفتيت، حيث يتم تحويل الأراضي الخضراء إلى أراضٍ تجارية.

ويقول مسؤولون محليون، إن جهات ذات نفوذ في المحافظة تقف وراء هذا التحول.

من يقف وراء التفتيت؟

يقول قائمقام كربلاء حسين المنكوشي، إنّه “تم تشكيل لجنة برئاسة رئيس الوحدة الإدارية، وبمشاركة ممثلين عن مديرية كربلاء ومسؤول زراعة كربلاء والموارد المائية، بالإضافة إلى عضو من الجمعية الفلاحية”، موضحا ان هذه اللجنة تعمل على “إجراء عمل ميداني أسبوعي لتفقد الأراضي المهملة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي التفتيت غير المشروع”.

ويردف كلامه لـ “طريق الشعب”، قائلاً انه في الأوقات السابقة لم يكن هناك وجود لتفتيت الأراضي، بل كانت مهملة وغير مزروعة أو غير مسيجة. وبالرغم من ذلك، كان رئيس الوحدة الإدارية يُمارس صلاحيات قضائية قبل سنة 2005، حيث كانت لديه الصلاحية في اعتقال مالكي هذه الأراضي وتقديمهم للتحقيق.

ويضيف المنكوشي، ان “مع دستور 2005 وتغيير السلطات أصبح من الصعب على رئيس الوحدة الإدارية العليا اعتقال أي شخص دون توجيه القضاء. وهذا أدى إلى زيادة الفوضى والفساد في المجتمع، حيث يواجه القضاة تحديات جديدة في تطبيق القرار الصادر ١٩٨٠”، مشيرا الى ان التفاعل مع هذا القرار يختلف من قاضٍ إلى آخر، حيث يمكن أن يقوموا بإغلاق الملف بحجة عدم وجود عنصر جزائي.

ويبين، ان اللجنة “تقوم باتخاذ إجراءات قانونية عبر محكمة التحقيق للتأكد من التزام مالكي الأراضي”، موضحا أنه “في حالة عدم التزامهم يتم رفع الملف إلى لجنة الاستيلاء في مديرية زراعة كربلاء، وتُرتب الأوراق ويُجرى تدقيقها لضمان النزاهة”.

ويواصل كلامه بأنه “في حال كانت الأوراق صحيحة فانه يتم رفع طلب إلى وزارة الزراعة لتحويل الأرض إلى المالية ومن ثم إلى البلدية بموجب قرار ٦٣٤ لسنة ١٩٨٠”.

ويؤكد انه “اليوم بعد سحب الصلاحيات تحول هذا الجانب الى القضاة وهو أمر جديد عليهم من حيث القرار والتعليمات والاوامر، لذلك يتعاملون معها بنظام العقوبات. وهذا النظام قابل للكفالة”، مشيرا الى ان “قسماً من القضاة يقومون بغلق الملف لعدم وجود العنصر الجزائي، وهذه طامة كبرى. كما ان هناك حالات اخرى وهي انه بعد سنة من بناء الاراضي يطلب القاضي اجراء كشف على المكانّ”.

ويتساءل المسؤول المحلي: “لماذا هذا التهميش للوحدات الإدارية؟”.

ويبدي المنكوشي أسفه للحال الذي وصل اليه الوضع حيث يجري تجريف مساحات واسعة من البساتين والاراضي الزراعية كأن تكون مساحاتها 30 الف دونم. وهذا أصبح أمراً طبيعياً، إذ يتم تفتيتها على مرأى ومسمع السلطات التشريعية والتنفيذية، وبالتالي انخفضت مساحة الاراضي الزراعية في كربلاء الى النصف، واصبحت عبارة عن أحياء سكنية عشوائية.

ويهدد المسؤول بالقول: “لن نسكت عن غسيل الاموال الذي يقوم به بعض من السياسيين الفاسدين والجهات المتنفذة في المحافظة والتي تملك مالا غير مشروع، والذي من خلاله يفتتون الاراضي الزراعية، ومن ثم يقومون بتحويلها لاحياء سكنية متجاوزة”.

غياب القانون

يقول الناشط المدني من محافظة كربلاء، حسين محمد إن هناك غيابا واضحا وكبيرا لمسألة التخطيط في منح عقود الأراضي الزراعية، مؤكدا ان ذلك “سبب الكثير من المشاكل في كربلاء”.

ويؤكد محمد في حديث مع “طريق الشعب”، ان “وجود السلاح المنفلت الذي يعزز من سطو المليشيات ساهم بشكل كبير في انحسار الأراضي الزراعية وتحويلها الى أماكن تجارية”، مشيرا الى ان المحافظة بدأت تتحول الى مركز تجاري كبير بفعلهم”.

ويضيف محمد، ان “غياب القانون وعدم تطبيقه بشكل عادل بين الجميع والتعامل بمحسوبية ومنسوبية اعطى مجالا اكبر للجهات المتنفذة بالتمرد والتصرف وفق ما يحلو لها دون حسيب او رقيب”.

وطالب الجهات المعنية بوضع تعديل للقوانين وتعليمات جديدة من شأنها ان تحد من ظاهرة الاستيلاء على الأراضي، التي باتت تنتشر بشكل كبير داخل المحافظة، مشددا على ضرورة تطبيق القانون بصرامة وجدية.

رشوة

وفي السياق ذاته، يقول احد أصحاب المزارع في كربلاء احمد الزيني، انه “في وقت ما في السابق تعمدت بعض الجهات في المحافظة الى قطع الماء عن بعض المناطق الزراعية، واضطر مزارعوها بعد فترة الى بيعها بابخس الأسعار، فيما كانت باهظة التكلفة في السابق، كونها تحولت الى ارض قاحلة. وبعد بيع بعضها تحولت الى مجمعات سكنية بخدمات ذات جودة رديئة”.

ويؤكد الزيني لمراسل “طريق الشعب”، ان “عمليات تفتيت الأراضي الزراعية تجري بعلم الحكومة المحلية وبموافقتها”.

ويختتم الزيني حديثه بان “الرشوة لها دور كبير في غض البصر عن هذا التفتيت”.