اخر الاخبار

ورث عباس ناظم (43 عاماً)، وهو من محافظة الديوانية، مهنة صيد الأسماك أباً عن جد، وكان يزاولها لإعالة أُسرته، لكن بعد أزمة الجفاف التي ضربت البلاد، انقطع سبيل المعيشة أمام هذا الصياد، وبات يعاني اقتصاديا شأن بقية الصيادين وأصحاب مزارع الأسماك في جميع المحافظات.

 كان ناظم يصيد عادة أسماك الخشني والزوري والشانك، وفي بعض الأحيان الشبوط والبني، وبعد تراجع مناسيب المياه في نهر الفرات وانحسارها في الأنهر الفرعية بنسبة كبيرة، صارت الأسماك تنفق بالأطنان، ما قلل أعدادها بشكل كبير، وبالتالي صار يصعب على الصياد الظفر بسمكة!

وترك ناظم، كغيره من الصيادين المتضررين من الأزمة، مهنته التي توارثها عن أجداده، وبدأ بالبحث عن مصدر معيشة آخر – حسب ما يذكره في حديث صحفي.

وبحسب بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، فإن خسائر البلاد من الثروة السمكية تقدر بنحو 400 مليون دولار سنوياً، مشيرةً إلى أن الوقت حان لاتخاذ إجراءات فورية وحاسمة بشأن المناخ.

مليون طن في خبر كان!

توجد في العراق مزارع أسماك مُرخصة وأخرى غير مُرخصة، وهي عبارة عن أحواض طينية وأقفاص. ومن هذه المزارع تجاوز إنتاج الأسماك مليون طن سنوياً، خلال الأعوام 2018 و2019 و2020، مُوزّعا بين المرخصة بـ 190 ألف طن، وغير المرخصة بـ900 ألف إلى مليون طن - حسب رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك إياد الطالبي.

ويلفت الطالبي في حديث صحفي، إلى ان «شح المياه وتلوّثها، وردم الحكومة الأحواض غير المُرخصة، وتحجيم مناسيب المياه الواصلة إلى المزارع المرخصة، والصيد الجائر بالسموم والكهرباء، كلها عوامل ساهمت في تراجع أعداد الأسماك في المسطحات المائية والأنهر».

 هل ستنقرض؟!

ويوضح الطالبي أن «اطلاقات اصبعيات الأسماك من المفاقس التابعة للحكومة، قليلة جداً، وتكون على شكل يرقات، لذلك بدأت الأسماك العراقية، ومنها البز والبني والكطان والشبوط، بالانقراض في دجلة والفرات. وهناك كميات توجد في الأهوار والثرثار، لكنها تتعرض للصيد الجائر، في الوقت الذي لا توجد فيه اطلاقات للأسماك الصغيرة لتعويض هذه الخسائر الكبيرة».

ويشير إلى أن «أهوار العمارة والبصرة كانت تعيش فيها أنواع كثيرة من الأسماك، خاصة البني والكطان والشبوط، لكن الجفاف الذي حلّ دمّر البنية التحتية لهذه الأسماك التي اشتهر بها العراق على مستوى الوطن العربي».

 مليونا عامل

وتعمل في قطاع الأسماك العراقي أعداد كبيرة من العمال، موزعة بين عمال معامل الأعلاف والصيادين والناقلين والبائعين وأصحاب محال الشوي، وهؤلاء تُقدر أعدادهم بأكثر من مليوني شخص، نصفهم على الأقل باتوا بلا عمل، خاصة صيادو المياه العذبة ونهري دجلة والفرات والمسطحات المائية، وذلك نتيجة إغلاق المزارع غير المرخصة وجفاف الكثير من المزارع المرخصة - حسب الطالبي، الذي يبيّن أن «الضرر الأكبر وقع على صيادي الأهوار والمبازل، لذلك بدأت شريحة كبيرة من الصيادين بترك هذه المهنة لعدم وجود كميات من الأسماك تعتاش عليها»، مؤكداً أن «الحل يكمن في اطلاق أسماك صغيرة من البني والكطان والشبوط والبز، في نهري دجلة والفرات والاهوار، شرط أن لا يقل وزن السمكة عن 5 غرامات، وذلك لتعويض الخسائر وإكمال مسيرة نمو هذه الكائنات».

ويدعو الطالبي وزارتي الموارد المائية والزراعة إلى «استخدام النظام المغلق في تربية الأسماك، والبدء بإنشاء مشروع كبير لإنتاج أسماك المياه المالحة مثل السوبريم والزبيدي وغيرها من الأسماك التي تعيش في مياه الخليج العربي والفاو، أو في أحواض المياه المالحة في منطقة السيبة جنوبي البصرة».

ويرى أن «هذا هو البديل الوحيد لسد حاجة السوق، فلم يبق لدينا سوى البحر، وعلينا استثماره في زيادة إنتاج الثروة السمكية، أسوة بالدول المجاورة التي وسعت من انتاج الأسماك البحرية لسد حاجة أسواقها».

 الاستيراد مُدمّر!

وينبه الطالبي إلى أن «اللجوء إلى استيراد الأسماك يُدمّر بنية مشاريع الأسماك الموجودة، خاصة الأقفاص العائمة والأحواض الطينية، بعد أن يتسبب في خسارة أصحابها»، موضحا أن «أسعار الأسماك حالياً تصل إلى 5 آلاف دينار للكيلوغرام الواحد، وهذا السعر المنخفض يعود إلى خوف المربين من إصابة أسماكهم بفيروس الهربس، لذلك هناك عرض كبير للتخلص من الأسماك في الوقت الحالي، لكن بعد نهاية الشهر الجاري سوف يقل العرض وترتفع الأسعار إلى 8 آلاف دينار وأكثر للكيلوغرام الواحد».

ويشير إلى أن «صيادي ومربي الأسماك ليسوا مع زيادة الأسعار، تجنباً لفتح الأبواب أمام المستورد وبالتالي تدمير المنتج الوطني. إذ لا توجد حماية للإنتاج المحلي»!

 استهداف الثروة السمكية

إلى ذلك، يقول عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار البرلمانية، ثائر مخيف، ان «هناك رغبة من الدول المحيطة والإقليمية وحتى البعيدة، في أن يبقى العراق مُستورداً غير مُصدّر، ليستمر في استهلاك بضائعها»، مبينا في حديث صحفي أن «الثروة السمكية استهدفت حتى قبل شحّ المياه، حيث كان هناك نفوق لكثير من الأسماك في الأنهر وحتى في الأقفاص، وهذا لم يأت من فراغ، بل جاء للقضاء على الثروة السمكية من دول مُحيطة تُصدّر الأسماك للبلاد»!