في ظل واقع صحي سيء في العراق، لا يمكن تجاهل أهمية وضرورة الأمن الدوائي، الذي يؤكد معنيون انه عملية مستمرة لا يمكن لها ان تتوقف، إذ تشمل الكثير من القضايا، ولا تقتصر على فحص الدواء وتسجيله او توفيره.

 وبالرغم من وجود حملات تفتيشية تنظمها نقابة الصيادلة تصل الى 15 ألف جولة تفتيشية، إلا أن هذا لا يبدو كافيا قياسا بحجم التحدي الموجود.

ويرتهن تعزيز الثقة بالقطاع الصحي وتحقيق تقدم ملحوظ في هذا الجانب، بايجاد رقابة فعّالة تمنع تداول الأدوية والمنتجات غير الآمنة.

 تعاون الجميع

في تصريح صحافي، قال عضو لجنة الصحة النيابية السابق، فارس صديق، ان تحقيق الأمن الدوائي في العراق يتطلب عملاً تكاملياً جماعياً يشمل مختلف الجهات، وان تنظيم استيراد ودخول الدواء يتضمن مراحل من التقييس والسيطرة النوعية وفحص الأدوية.

وأكد أن هذا العمل «ليس مسؤولية وزارة الصحة وحدها، بل يتطلب تعاوناً مشتركاً مع مؤسسات أخرى مثل وزارة الداخلية وهيئة الكمارك وجهات رقابية مثل نقابة الصيادلة»، مشيرا الى ان «بعض الدول ذات الاقتصادات والإمكانيات المحدودة تمتلك أنظمة صحية رصينة، مما يبرز أهمية تحسين النظام الصحي في العراق». وشدد على اهمية الرقابة والتفتيش من قبل الجهات المختصة، بما في ذلك وزارة الداخلية، للسيطرة على حركة الدواء من خلال العمل الجماعي وتعاون جميع الجهات.

 15 ألف جولة تفتيشية

من جانبه قال نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي، ان مفهوم الامن الدوائي واسع ويشمل الكثير من القضايا، فهو لا يعني توفر الدواء فقط، مؤكدا ان تحقيق الامن الدوائي عملية مستمرة، لا يمكن لها ان تتوقف عند حد معين.

وأضاف، ان أحد اهم جوانب تحقيق هذا الأمان هو ما يتعلق «بآلية استيراد الادوية وكيفية الاستيراد والفحص، فلا بد ان يكون الاستيراد على الطريقة الرسمية، وبعد ان تدخل المادة يفترض ان يتم فحصها بشكل جيد من قبل مختبر الرقابة الدوائية وتسجيلها قبل خروجها الى المواطن والمؤسسات لاستخدامها».

وأوضح الهيتي في حديث مع «طريق الشعب»، ان نقابته عملت منذ عام 2014 مع وزارة الصحة في هذا الجانب ابتداء من تسعيرة الدواء، ولم يكن التسعير هو الغاية بل التسجيل الرسمي الذي يسبق التسعير، فمنذ سنوات طويلة لم يكن يدخل اي دواء الى البلاد ما لم يكن مسجلاً لدى وزارة الصحة وتتم الامور وفق الضوابط التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.

وتابع قائلا: ان النقابة «تبحث مع وزارة الصحة وتنسق العمل معها، وهناك رقابة على الصيدليات والمكاتب العلمية ومذاخر الادوية»، موضحا ان «جولات النقابة التفتيشية في السنتين الاخيرتين لا تقل عن 15 ألف جولة في السنة الواحدة، وهذا الرقم غير مسبوق قياساً بالسنوات الماضية».

وزاد نقيب الصيادلة بالقول: ان العمل يشمل «التسعيرة والادوية الموجودة وتلك المنتهية المفعول، والتحقق من وجود صيدلي في الصيدلية ام لا، باعتباره الخبير الدوائي؛ فالأمن الدوائي لا يعني فقط توفير الدواء من عدمه او فحصه، بل يتعلق ايضا بمن يقدمه ويصفه وترشيده».

وخلص الى انه «بعد منتصف الشهر السادس من هذا العام، وفي اعقاب تنظيم المكاتب والمذاخر والصيدليات وعمليات الفحص وملاءمة الاستهلاك البشري والمواصفات، يمكن القول ان 50 في المائة من الادوية الموجودة الان هي مسعرة واخرى بانتظار التسعير، لكن الاهم في كل هذا هو ان الدواء مفحوص ونحتاج الى سنة أخرى لنحقق تقدما أكبر في هذا السياق».

رقابة غائبة

الى ذلك قال د. جبار الزبيدي، ان العراق بعد العام 2003 أصبح ساحة مفتوحة مباح فيها كل انواع الادوية والمنتجات الطبية وغير الطبية، مؤكدا ان واحدا من اهم مجالات غسيل الاموال في العراق هو تجارة الادوية.

وفي مستهل حديثه أوضح ان «الامن الدوائي لا يتعلق فقط بالأدوية الطبية، فنحن اليوم نلاحظ انتشار منتجات اخرى غير الادوية مثل المكملات بأنواعها وبضمنها المكملات الغذائية وادوية التجميل والكثير من المنتجات التي لا نعرف ما هو أصلها وما ان كانت منتجات عضوية او غير عضوية».

وتابع الزبيدي حديثه لـ»طريق الشعب»، قائلا: «ربما هذه المنتجات كلها بشكل او باخر اصبحت من الضروريات، لكن هذا لا يعني ان نكون ساحة مفتوحة ومكشوفة تغيب فيها الضوابط والقوانين»، مؤكدا اننا بأمس الحاجة الى وضع ضوابط رصينة ودقيقة، لان الكثير من هذه المنتجات غير خاضعة للفحص، ومكوناتها ايضا يمكن ان تسبب مشاكل كبيرة».

ونوه بان تحقيق الامن الدوائي «قضية ليست صعبة او مستحيلة، فعلى سبيل المثال قبل العام 2003 كانت هناك لجان مسؤولة عنها عدة جهات تعمل بتعاون مستمر، وكانت هناك آليات وتوزيع للمسؤوليات بين وزارة الصحة بالدرجة الاساس ووزارة التجارة والمنافذ الحدودية ـ وزارة الداخلية. وكان لهذه اللجان صلاحيات جيدة لا تقتصر فقط على المحاسبة بل المعاقبة، والاحالة الى المحاكم العراقية. بينما اليوم نفتقد هذا التشبيك والعمل والتنسيق العالي».

ولفت الى ان هناك الكثير من الادوية يدخل عن طريق مافيات الفساد والتهريب من خلال منافذ غير رسمية. وفي الفترة الاخيرة كانت هناك حملة قادت لتسجيل الكثير من الشركات التي لم رسمية.

ونبه الزبيدي الى ان هناك ادوية ربما يصرح بدخولها لكنها غير صالحة، وابسط مثال على ذلك هو المنشطات الجنسية؛ فهنالك الكثير من المشاكل التي تسببها هذه المنشطات نتيجة الاستخدام الخاطئ وطريقة البيع غير الصحية، حيث تباع في الشوارع وعلى الارصفة وفي كل مكان، وهذا ممنوع في الدول الاخرى.

وذكر أيضا ان «البندول والبراسيتول في الخارج ممنوع صرفه، وبرغم من انه ممنوع في العراق الا انه يصرف وفي متناول اليد، وهذه مشكلة حقيقية لا تتحملها الوزارة وحدها، بل يجب ان تكون هناك قوانين رادعة وقوية وعمل مشترك بين الجهات المعنية».

واكد المتحدث في ختام حديثه «وجود الكثير من الشركات والمكاتب التي لا رقابة عليها ولا سيطرة، وبالتالي أصبح الموضوع سائباً، علما ان احد اهم مجالات غسيل الاموال في العراق هو تجارة الادوية، التي يتجاوز الربح فيها 300 في المائة، ولا يمكن تخيل أرباح كهذه بعيدة عن جيوب مافيات الفساد».

عرض مقالات: