تعاني محافظة ذي قار منذ عقود من سوء الخدمات وتهالك البنى التحتية، الأمر الذي يفجّر بين الفينة والاخرى احتجاجات شعبية في المحافظة، رفضا للواقع السيّئ الذي تعيشه المحافظة.
وفي أعقاب انتفاضة تشرين أسس صندوق إعمار ذي قار، الذي كان يفترض ان ينتشل المحافظة من واقعها المزري، وينقلها الى واقع اخر.
الصندوق خصص له مبلغ مالي هو الأضخم إلا ان الواقع لا يزال كما هو، ولم يتغير شيء، نتيجة سوء تنفيذ المشاريع وغياب الرقابة.
وهذا ما عزاه مراقبون الى سوء التخطيط وسوء اختيار الشركات وشبهات وصفقات الفساد في احالة المشاريع إلى الشركات، وتدخل بعض الاحزاب المتنفذة في هذا المجال، مؤكدين أن ما انجز لا تتجاوز نسبته 30 في المائة من مشاريع جمالية وليست خدمية.
إلى جيوب الفاسدين
المرشحة لانتخابات مجالس المحافظات ضمن تحالف قيم المدني، الرفيقة إيمان الأمين، قالت إن المشاريع التي من المفترض ان تنهض في المحافظة اقتصرت على تبليط الشوارع ورصفها، ولم تشمل مناطق واسعة، ولم تغادر هذا النطاق، علماً انه خطط لها في عهد المحافظون السابقون.
وأوضحت الامين في مستهل حديثها مع «طريق الشعب»، ان «حملة التبليط شملت مناطق محدودة في مركز المدينة، بينما هناك مناطق بحاجة ماسة لهذا النوع من الخدمات، ومع كل زخة مطر تتحول الى برك طينية، برغم انها مشمولة بحملة الاعمار، الا انها لا تزال مهمة وفي طي النسيان».
وأكدت الأمين، ان هذه الأموال «كان الأجدر ان تخصص لفتح مشاريع حيوية واكمال المشاريع المتلكئة، او توجه لفتح معامل ومصانع ودعم القطاعات التي من شأنها ان توفر فرص عمل لشباب ذي قار العاطل عن العمل، لكن شيئا من ذلك لم يحدث قط».
وذكرت الأمين، ان الشركات الاستثمارية «دمرت المحافظة واستولت على كل الأراضي الزراعية، وفي الوقت الذي كان يفترض ان تحل ازمة السكن نجد ان الوحدات السكنية التي تشرف عليها تصل مبالغها إلى أرقام لا يمكن حتى للموظف تحملها، بينما المتحزبون من القوى المتنفذة اشتروا الكثير من هذه الوحدات، وبرغم ذلك لا تزال العشوائيات قائمة وتتمدد».
ونبّهت الأمين إلى انه ليس هناك أي «اثر استراتيجي او انعكاس لمبلغ الـ1 تريليون دينار التي تم تخصيصها للمحافظة، فعلى سبيل المثال حتى الجسور التي كان من المفترض إنشاؤها لحل أزمة الازدحامات، لم تكتمل منذ 10 سنوات، ومن بينها الجسر الذي يربط مركز المحافظة بقضاء سوق الشيوخ، وصولا إلى كرمة بني سعيد، ونحن نتحدث عن تولي 5 محافظين بعد يحيى الناصري».
حلقة زائدة
وأضافت قائلة: إن «هذه الأموال التي تصرف بجنون تذهب الى جيوب المقاولين والفاسدين، فيما تغيب الرقابة عن هذه الأموال وطريقة صرفها، وأين صرفت، فلا أحد يعرف شيئاً عن ذلك».
وخلصت إلى القول: انه برغم مساوئ مجلس المحافظة السابق، إلا ان عمل المجالس مهم وضروري، وهي ليست حلقة زائدة كما يشاع، بل جهة رقابية عليها مهام كبيرة، فالنزاهة لا تتحرك إلا بشكوى من مواطن او ملف يفتح من قبل جهة رقابية، وهذه حلقة مفقودة، وبالتالي فانه نتيجة لغيابها استشرى الفساد اكثر من ذي قبل».
مشاريع متلكئة
وللحديث اكثر قال الناشط السياسي حسين الغزي: ان «البنى التحتية للمحافظة تعاني منذ 2003 والى الان، وفي اعقاب انتفاضة تشرين رصدت مبالغ كبيرة لإعادة اعمار محافظة ذي قار، واشرفت ادارات المحافظة المتعاقبة منذ عام 2020 والى الان، على توزيع المشاريع المرصودة للمحافظة وفق صندوق اعمار ذي قار».
وعن التقدم الذي انجز، قال الغزي لـ»طريق الشعب»، انه برغم ان هناك وعودا بتخصيص الاموال لإعادة العمل بها واحالتها لشركات اخرى، الا ان الكثير من المشاريع متلكئة، وهنالك مشاريع متوقفة منذ سنوات، مشيرا الى ان هناك تركيزا على مناطق مراكز المدينة من اجل اظهارها بصورة بهية من خلال تشييد المقرنص للارصفة وتركيب الانارة، في وقت يطال فيه مناطق كثيرة الخراب وتنعدم البنى التحتية بخاصة في القرى والمناطق النائية».
«مشاريع منجزة»
ويعزو الغزي التلكؤ الى «غياب الرقابة وقلة خبرة الشركات المنفذة للمشاريع، وبالتالي يحدث هدر كبير في المال العام وتدبر صفقات الفساد».
وبحسب المتحدث فإن «نسبة 20 في المائة من تكاليف مشاريع ذي قار تذهب رشاوى الى المسؤولين المحليين ومسؤولي صندوق اعمار ذي قار وهيئة الاستثمار والبلدية»، بحسب قوله.
وعمّا بلغته نسب الانجاز في تلك المشاريع، قال: ان «نسبة ما انجز فعلاً من صندوق اعمار ذي قار لا تتجاوز 30 في المائة مع نسبة المبالغ المرصودة، إذ أنها صرفت على مشاريع جمالية وليست خدمية. وهناك شوارع معبدة يقومون بكشطها واعادة اكسائها من جديد وتجديد الانارة من مبرر لذلك».
وحمل الناشط إدارة المحافظة مسؤولية هذا الفشل، ابتداءً من المحافظ وهيئة الاستثمار ومسؤول صندوق اعمار ذي قار في المحافظة، والامانة العامة لمجلس الوزراء، التي تعتبر المشرف المباشر على صندوق اعمار ذي قار، موضحا ان «المبلغ المرصود لصندوق اعمار المحافظة هو 1 تريليون و400 مليون دينار عراقي، والمحافظة حصلت على التخصيص الاعلى بين المحافظات في الموازنة، ومع ذلك فإن واقعها لا يسر قياسا بالرقم الضخم الذي خصص لها».
ونبّه إلى أن خطة المشاريع «لم تتطرق لمعالجة قضايا ملحة، مثل الجفاف والأراضي الزراعية التي يجري تجريفها ولا الى تخصيصات الفلاحين، او إعادة فتح المعامل والمصانع المتوقفة، ولا حتى دعم القطاع الخاص وتوفير فرص عمل للشباب»، مبيناً انه برغم حجم «الأموال والمشاريع الا ان نسبة البطالة لم تنخفض، وهذا مرتبط بسوء التخطيط والاعتماد على اعداد قليلة من العاملين، لتجنب صرف مبالغ كبيرة. كذلك يخضع هذا الموضوع للفساد والمحسوبية».