اخر الاخبار

تحذّر وزارة البيئة من مخاطر ظاهرة مناخية تواجه بغداد وتحدق بها، يُطلق عليها “المدن الجزرية”، والتي تعني تساوي درجات الحرارة بين الليل والنهار. وفيما عزت أسباب المشكلة الى التغير المناخي والنقص الكبير في المساحات الخضراء وتجريف البساتين والقطع المستمر للأشجار، ومنها المعمّرة، اتهمت هيئة الاستثمار بمنح المساحات الخضراء إلى جهات مستثمرة، لغرض تشييد مبانٍ عليها، دون الاهتمام بالاضرار التي يلحقها هذا بالبيئة!

وبات مشهد قلع الأشجار من الأرصفة والجزرات الوسطيَّة واستبدالها ببلاطات “المقرنص” خلال السنوات الأخيرة، من المشاهد المتكررة التي كثيراً ما تثير استياء المواطنين والاختصاصيين في الشأنين البيئيّ والصحيّ، الأمر الذي أوجد مبادرات وحملات تطوعية تهدف إلى زيادة التشجير والاهتمام بالغطاء النباتي.

ووفقا لتقارير بيئية ومناخية تحدثت عنها وسائل إعلام، فإنه على مدى العقدين المقبلين من المتوقع أن تشهد البلاد 272 يوماً من الغبار سنوياً، بسبب تناقص المساحات الخضراء والجفاف والتصحّر وتناقص هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. وفي عام 2050 قد تصل الأيام المغبرة إلى عتبة 300 يوم. إذ تعرض العراق في عام 2022 الى العديد من العواصف الغبارية، وبسبب ذلك تم نقل 5 آلاف شخص إلى المستشفى، مع إيقاف الرحلات الجوية في عدد من المطارات.

ويعد العراق أحد الدول الخمس الأكثر عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ، وفق الأمم المتحدة.

وتشير دراسات بيئية – وفقا لوكالات أنباء – إلى ان المناطق المظللة في بغداد أبرد بخمس درجات من المناطق التي لا يوجد فيها غطاء نباتي. فبدون الأشجار والنباتات، تمتص الأسطح الخرسانية والمعدنية الحرارة ثم تشعها مرة أخرى.

 هيئة الاستثمار تجرّف المساحات الخضراء!

وزارة البيئة وجهت أصابع الاتهام بالدرجة الأولى بتجريف المساحات الخضراء والبساتين، الى هيئة الاستثمار، مشيرة إلى أن “الهيئة تمنح أراضي البساتين للاستثمار، كي تُبنى عليها مولات ومبان عديدة، من دون مراعاة تأثير ذلك على البيئة في العراق، لا سيما في بغداد” – حسب ما ذكرته مدير عام الدائرة الفنية في الوزارة نجلة الوائلي، في حديث لشبكة “رووداو” الإعلامية.

وأوضحت أن “مشكلتنا الرئيسة هي ان هيئة الاستثمار بدأت تقضي على كل المناطق الخضراء في بغداد، من خلال منحها كفرص استثمارية، ما يؤثر على جودة الهواء ويتسبب في حصول احتباس حراري ويلوّث الجو”، منوهة الى أن “العاصمة وصلت الى ظاهرة في التغير المناخي تعرف بالمدن الجزرية، وتسبب الاحتباس الحراري، ما يجعل درجات الحرارة في الصباح مقاربة لنظيرتها في الليل. وهذا غير صحيح، إذ انه من المفترض ان تكون درجات الحرارة في النهار مختلفة عنها في الليل بثلاث درجات مئوية على الاقل”.

ورأت الوائلي أن “أغلب مساحات العاصمة أصبحت تضم مباني كونكريتية، وانه لم تعد هناك اشجار كافية لتنقية الجو وزيادة نسبة الاوكسجين، ما يتطلب الشروع بالتشجير وزيادة المساحات الخضراء داخل المدينة وخارجها”.

فيما طالب هيئة الاستثمار بـ “مراعاة تواجد المناطق الخضراء الطبيعية في بغداد وكل المحافظات، وعدم اعطاء كل هذه المساحات للاستثمار في انشاء المولات والنشاطات الاخرى”، لافتة إلى أن “دائرة الاشجار والغابات في وزارة الزراعة مسؤولة أيضا عن هذا الأمر. إذ يتطلب منها الاكثار من زراعة الاشجار، والاهتمام بالغابات المحددة ضمن خارطة العراق، على اعتبار انه توجد في كل محافظة منطقة او اثنتان من الغابات، وهذه ينبغي اعادة تأهيلها”.

 المولات بدل البساتين!

وأكدت الوائلي أن “بغداد اكثر المحافظات المتأثرة بظاهرة المدن الجزرية. حيث تم منح اغلب المساحات الخضراء الى الاستثمار فتحولت الى مولات ضخمة، في وقت ينبغي فيه ان يكون عدد الاشجار مساوياً لعدد البشر”، مشيرة إلى انه “تمت إزالة العديد من بساتين النخيل في بداية منطقة الدورة جنوبي بغداد. حيث انشأوا بدلا عنها مجمعات سكنية ومنازل. أما في منطقة التاجي شمالي العاصمة، فأيضا هناك مساحات واسعة من البساتين تم منحها للاستثمار، والحال كذلك في منطقة الراشدية شمالي بغداد”.

ولفتت مدير عام الدائرة الفنية الى أن “هناك اشجاراً معمرة يبلغ عمرها نحو 50 سنة تم قطعها، رغم فائدتها الكبيرة في تلطيف الجوء، وتثبيت الكثبان الرملية من خلال جذورها”، محذرة أمانة بغداد من أن “توسيع الشوارع في العاصمة ينبغي الا يكون على حساب المناطق الخضراء. فمن الضروري جدا عدم قلع الاشجار في ظل الاستنزاف الكبير لها”.

 لا استجابة لمطالبات وزارة البيئة!

أما بخصوص مدى استجابة الجهات الحكومية لمطالبات وزارة البيئة بالمحافظة على المساحات الخضراء وعدم تجريف البساتين، قالت الوائلي أنه “نخاطب الجهات المعنية بشكل يومي، لكن لا توجد استجابة”، مؤكدة أن “وجود الاشجار مسألة ليست كمالية، بل ضرورية للبيئة، خصوصاً أن مشكلات الامراض الصدرية في العاصمة ازدادت في السنوات الأخيرة، بسبب نقص الغطاء النباتي وتصاعد الغبار”.

 واشارت الى ان “وزارة البيئة تتجه للاعتماد على الاشجار الاكثر صداقة للبيئة. حيث بدأنا الاهتمام بالاشجار المعمرة، وتوعية الناس بعدم التقرب منها والاضرار بها”، داعية امانة بغداد الى “الاهتمام بالمساحات الخضراء والاشجار، مع زراعة الجزرات الوسطية بالاشجار والنباتات الأخرى”.