اخر الاخبار

أثار مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة البصرة، أخيرا، مسألة التلوّث البيئي الناجم عن سحب الغاز المرافقة لعمليات استخراج النفط في المحافظة. وفيما طالب بموقف برلماني حقيقي لوقف هذه الكارثة البيئية، دعا المواطنين إلى تقديم الشكاوى في هذا الشأن.

وتعمل شركات أجنبية عدّة على استخراج النفط في البصرة، منها “بريتش بتروليوم” البريطانية و”إيني” الإيطالية. وتصدر عن العمليات النفطية انبعاثات غازية سامة تسبب أمراضا خطيرة، كالسرطانات، لا سيما انّ الشركات لا تعالج الانبعاثات “لكون العقود الحكومية التي أبرمت معها لم تتضمن بنودا تشترط عليها معالجة تلك الانبعاثات” – حسب ما أفاد به الخبير البيئي علي المياحي في حديث صحفي.

وعلى مشارف البصرة يقع عدد من أكبر مناطق التنقيب عن النفط في البلاد. وتعتبر الغازات المشتعلة من هذه المواقع خطيرة. إذ ينبعث منها مزيج قوي من ثاني أكسيد الكربون والميثان والسخام الأسود الملوّث للغاية.

ويحظر القانون العراقي، لأسباب صحية، حرق الغاز على بعد ستة أميال من منازل السكان، إلا أن الواقع مختلف. فهناك تجمعات سكانية تقع على بعد أقل من ميلين من الحقول النفطية – وفق ما ذكرته وكالة أنباء “بي بي سي عربي” في تقرير صحفي سابق.

انعدام الرقابة

وفي بيانه الذي أصدره الخميس الماضي، طالب مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة بـ”حماية السكان المدنيين من تلك الانبعاثات الغازية المضرّة صحياً وبيئياً، ووضع حدّ لإهمال واستهانة الشركات باتّباع إجراءات المعالجة المرافقة”، محذّراً من “ضعف وشلل الخطوط الرقابية، بل انعدامها في عشرات المواقع النفطية”.

الحكومة تهمل شكاوى المواطنين

ولا يرى اختصاصيون في الشأن البيئي أنّ ثمّة تأثيراً يُذكر للشكاوى التي يقدّمها المواطنون بشأن التلوّث النفطي في البصرة، ومطالباتهم بمعالجته “فالحكومتان المحلية والمركزية تهملان الملف” – حسب الخبير البيئي من البصرة علي المياحي، الذي يؤكد في حديث صحفي أنه “سبق لنا أن قدّمنا مع مئات المواطنين شكاوى إلى الحكومة المحلية بشأن التلوّث الناجم عن تلك الغازات، وما ينتج عنه من أمراض خطرة، إلا أنّ الشكاوى أُهملت كلها”.

ويضيف قائلا أنّ “أجواء المحافظة صارت خانقة بسبب تلك الملوّثات الخطرة، من دون أيّ معالجة للملف”.

ويحمّل المياحي الجهات العراقية “مسؤولية هذا الملف، خصوصاً أنّ العقود المبرمة مع تلك الشركات لا تفرض عليها معالجة الغازات، وهو أمر أهملته الحكومة خلال إبرام العقود”، لافتا إلى ان “الأمراض الخطرة التي تنجم عن تلك الغازات السامة تحتّم على الحكومة أن تتّخذ خطوات عملية للمعالجة، خصوصاً أنّ الملف صار ملفاً إنسانياً ويهدّد صحة أهالي البصرة وحياتهم”.

وكان مركز الأورام السرطانية في البصرة قد أفاد في نهاية عام 2022، بأنّ المحافظة تسجّل سنوياً 2300 إصابة جديدة بالسرطان نتيجة التلوّث البيئي، أي 78 إصابة لكلّ 100 ألف من السكان، وأنّ الزيادة السنوية المتوقّعة للإصابات في المحافظة 10 في المائة، مرجحا أن تصل الأعداد إلى نحو 2400 مصاب سنويا في الأعوام المقبلة.

البصرة أكبر حارقة للغاز!

وفي حديث صحفي سابق، أكد الخبير في مجال حقوق الانسان د. فاضل الغراوي ان حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط  في العراق يُعد العامل الرئيس لتلوث المناخ، ويشكل خطرا محدقا بحياة المواطنين وصحتهم. إذ يسبب الإصابة بالربو وأمراض الرئة والجلد والسرطان”.

وأوضح أن “بيانات البنك الدولي تشير إلى ان العراق يحرق ما يزيد على 17 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، ليحتل المرتبة الثانية بعد روسيا في هذا الخصوص”، مشيرا إلى ان “انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن حرق الغاز العراقي تبلغ نسبتها 10 في المائة من إجمالي الانبعاثات العالمية”.

ولفت الغراوي إلى ان “البصرة وحدها تحرق غازا أكثر من السعودية والصين والهند وكندا، لأنها موطن حقل الرميلة - ثالث أكبر حقل نفط في العالم”، داعيا الحكومة ووزارة النفط الى “الزام  الشركات النفطية العاملة في جولات التراخيص بالمحافظة على البيئة من خلال منع حرق الغاز المصاحب للنفط والعمل على استثماره وتحويله الى منتجات غازية للاستعمالات المختلفة، فضلا عن استثماره في تشغيل محطات الكهرباء بدلا من استيراده لهذا الغرض”.  كما دعا إلى “إلزام الشركات النفطية بتقديم تعويضات الى المواطنين الذين اصيبوا بالامراض السرطانية والجلدية والتنفسية نتيجة التلّوث”.

مشروع للحد من انبعاثات الميثان

إلى ذلك، ذكرت مديرية التغييرات المناخية في وزارة البيئة، أول أمس الأحد، أنها باشرت بتنفيذ مشروع خاص بتقييم انبعاثات غاز الميثان في قطاع النفط والغاز.

وقالت في بيان صحفي، أن “هذا المشروع سينفذ بدعم مالي وفني من تحالف الهواء النظيف والمناخ، أحد مؤسسات برنامج الأمم المتحدة للبيئة”، مضيفة ان “المشروع سينفذه فريق فني متخصص من وزارتي البيئة والنفط. حيث يعتبر الحد من انبعاثات غازات الميثان احد أولويات وثيقة المساهمات الوطنية العراقية NDC، للاستفادة منه اقتصاديا والحد من تأثيراته الصحية والبيئية، خاصة في جنوب البلاد”.