اخر الاخبار

لم تكن وزارة التربية يوماً بعيدة عن مخالب نهج المحاصصة والفساد الذي تعتمده القوى المتنفذة في السلطة. فهذا النهج الذي لم يخلّف سوى الدمار والفساد حيث ما اعتمد. وفي بلد مثل العراق تغيب فيه آليات المساءلة الحقيقية والرقابة الصارمة، يوفر للفاسدين دوراً كبيراً في التأثير على سير العملية التربوية التعليمية. ويتجلى هذا بوضوح في خروج العراق من مؤشر دافوس لقياس جودة التعليم، اضافة للكثير من الملفات الاخرى مثل ملف تغيير المناهج الدراسية وطباعتها، والتي اضحت معضلة تعجز الوزارة عن معالجتها.

وفي كل عام دراسي تتأخر طباعة الكتب المدرسية، ولا تصل الى الطلبة والتلاميذ حتى منتصف العام الدراسي.

ومع بدء العام الدراسي 2023 ـ 2024، وبرغم الوعود الكثيرة من وزارة التربية بتجاوز ازمة المناهج الدراسية المزمنة منذ سنوات، الا ان الحال بقي كما هو عليه، ولم نشهد تغييراً او معالجة ملموسة، انما فشلت الوزارة مجددا في توزيع المناهج.

مبالغ طائلة

وكشف عضو لجنة النزاهة النيابية، علي تركي، عن أسباب تغيير المناهج الدراسية المستمر منذ سنوات، قائلا: إن «عملية طباعة الكتب المدرسية تعد من أكبر ملفات الفساد في الدولة العراقية»، مشيرا إلى أن «مبالغ مالية طائلة تصرف سنويًا على طباعة المناهج، ومع ذلك تتعثر التربية في توزيع الكتب على الطلبة».

وقال تركي، إن «الشركة المسؤولة عن طباعة المناهج تابعة لشخصيات سياسية تفرض سطوتها على وزارة التربية، وتجبرها على تغيير مناهجها بشكل سنوي عبر إضافة أو حذف مواضيع بسيطة، بحيث تُهمل الكتب المطبوعة سابقًا بهدف استمرار الحصول على الأموال».

وأضاف عضو لجنة النزاهة النيابية، أن «الكتب لا تصل إلى المدارس حتى نصف العام الدراسي، الأمر الذي يتسبب في إرباك العملية التربوية بشكل كبير».

شكوك واتهامات!

من جانبه، يقول المتحدث الرسمي لنقابة المعلمين العراقيين، ناصر الكعبي: إن المنهج الدراسي «يجري تحديثه بنسبة معينة لا تتعدى 5 ـ 10 في المائة من كل منهج، وتشمل ذلك تصحيح او تغيير فصل دراسي او رفعه او اضافة سؤال وحذف اخر. وفي بعض الاحيان عندما تطبع الكتب اثناء العام الدراسي يصدر ايعاز من الوزارة بحذف مادة او فصل او تصحيح خطأ مطبعي».

ويضيف في حديثه لـ»طريق الشعب»، قائلاً: انه في عام 2019 «خضنا في نقابة المعلمين اضرابا لمدة يومين، ورفعنا 32 مطلبا، كان من بينها التساؤل عن مطبعة دار النهرين وسبب بيعها او استثمارها؟ علماً انه في حكومة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي صرف اكثر من مليون دولار لتجديدها بالكامل، عندما كان موقعها في حي الخضراء ـ العامرية».

ويؤكد ان نقابة المعلمين «لا تملك دليلا على نفي مزاعم عضو لجنة النزاهة النيابية، ولا الاتهامات التي تثار في وسائل الاعلام».

ويزيد الكعبي قائلاً «نؤكد دائماً ان على وزارة التربية وبالتعاون مع اليونيسيف والبنك الدولي، ان تطور المناهج على اساس العودة الى مؤشر دافوس لقياس جودة التعليم، وان يكون ذلك على اساس معايير وما يتعلق بالمدرس وتدريبه وامكاناته وتطوير البنية التحتية والتقنيات المستخدمة في التعليم».

ومؤشر دافوس هو مقياس المؤشر العالمي لجودة التعليم، ويقوم بتقييم جوانب متعددة من النظام التعليمي، مثل جودة التدريس والبنية التحتية التعليمية. والعراق رسمياً خارج هذا المؤشر نتيجة لتحديات متعددة، من ابرزها الصراعات السياسية وتهالك البنى التحتية وتراجع جودة التعليم.

ويعد الكعبي قضية طباعة الكتب وتغيير المناهج بشكل دوري «مشكلة حقيقية»، محملا الوزارة جزءا منها.

ويشير المتحدث الى ان هناك قرابة 12 مليون اميّ في العراق.

ويعزو الكعبي الفشل الى ان «القوى السياسية لا تملك خططا او رؤى لبناء دولة، ومنذ 20 عاما يصرون على ادارة البلاد بنهج المحاصصة و «التوازنات» الطائفية التي لا تخدم الشعب، بل كانت السبب الابرز في تواتر الازمات».

مآلات نهج المحاصصة

وفي سياق متصل، يؤكد عضو مكتب سكرتارية اتحاد الطلبة العام، احمد سعد، ان الفساد في قضية المناهج الدراسية «ليس وليد اليوم، بل يمتد لسنوات طويلة، وهو في المحصلة نتيجة الفساد المستشري في جميع مؤسسات الدولة، ونهج المحاصصة الذي تعتمده قوى السلطة في ادارة البلاد».

ويشير سعد في حديثه مع «طريق الشعب»، الى انه «عند التأمل في هذا الملف لن نجد هناك جهودا حقيقية او مساعي جادة طيلة السنوات التي مضت، لإيقاف الفساد في ملف المناهج الدراسية».

ويؤكد سعد انه طالما حذر الاتحاد «من مغبة استغلال وزارة التربية محاصصاتياً، وشددنا وما زلنا على ضرورة ابعاد الوزارة عن هيمنة وسطوة القوى المتنفذة التي لا حدود لجشعها وفسادها، لان ذلك ينعكس بشكل او بآخر على سير العملية التعليمية والتربوية».

ويذكر انه مع كل عام دراسي «تبرز معضلة الكتب الدراسية كحال المعضلات الاخرى التي تشهدها العملية التعليمية في البلاد. بينما وزارة التربية لا تزال عاجزة في كل عام عن معالجة هذا الاخفاق الذي يتكرر سنويا، حتى اصبح أمرا اعتاد العراقيون سماعه بداية كل سنة مدرسية». ويؤكد سعد ان الاتحاد تلقى العديد من البلاغات من الطلبة من مختلف المدراس، الذين يشتكون من شح الكتب ورداءتها، مشيرا الى ان الاتحاد حاول ايصال تلك البلاغات الى الجهات المعنية وترويجها في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كي يكون هناك حل للأزمة التي تتكر سنويا، من دون اية معالجة. ويشدد سعد على ضرورة ان «تخضع عملية تغيير المناهج الى استراتيجية وتخطيط متكاملين، ووفقا لدراسات علمية ذات جدوى، فالتغييرات العشوائية للمناهج في كل عام لا مبرر لها سوى انها تغذي ماكنة الفساد المستفيدة من هذه التغييرات. وان وزارة التربية مدعوة للتوضيح والرد على الاتهامات التي أطلقتها لجنة النزاهة النيابية، واتخاذ اجراءات وتدابير حقيقية في هذا الشأن».