اخر الاخبار

في بلد ألقيت عليه أطنان من الذخائر السامة والمحرمة دولياً، وتحترق في سمائه سنوياً مليارات الأقدام المكعبة من الغاز، حتى وصلت نسبة التلوث فيه العام الماضي إلى 73 في المائة ليحتل المرتبة العاشرة من بين البلدان الأكثر تلوثاً على مستوى العالم.. في هذا البلد أصبح السرطان واحداً من أكثر 10 أسباب للوفاة!

هذا ما يشهده العراق اليوم في وقت يعاني فيه واقعه الصحي ترديا واضحا، وغيابا لأهم الأجهزة والمستلزمات الطبية الحديثة والعلاجات. 

وتتصاعد الإصابات السرطانية سنويا في عموم البلاد. فيما ترجع تقارير صحفية أسباب ذلك، إلى عوامل عديدة، منها حجم الذخائر السامة المنتشرة في محافظات عدة، وتراكم النفايات بأنواعها، وسط انعدام الحلول لدى السلطات الحكومية.

وفي البصرة التي كان نصيبها من المرض أكثر من غيرها، نظراً لحجم التلوث الناجم عن حرق الغاز المصاحب للنفط في حقولها، وتقاعس الحكومات عن استثماره بدل هدره، تضاعف عدد الإصابات بالأمراض السرطانية ليصل إلى ألفي مصاب خلال عام واحد، نصفهم فقدوا حياتهم.

وبحسب مسؤول مفوضية حقوق الإنسان في المحافظة مهدي التميمي، فإن “البصرة شهدت خلال السنوات العشر الأخيرة زيادة في التلوث بشكل كبير جداً، فضلا عن العواقب الخطيرة للتغير المناخي، الذي أثر هو الآخر على هذه المحافظة أكثر من غيرها”.

البصرة على رأس القائمة

كثيرا ما يشكو مواطنون بصريون عبر وسائل الإعلام، من صعوبة الحصول على علاج للمصابين بالأمراض السرطانية، ومن قلة التخصيصات المالية لمعالجة المرضى.

وأمام هذا الواقع المرير يَفترض المواطن البصري أن تضاعف الحكومة جهودها بهذا الاتجاه، لكن ما يحدث هو العكس، حيث يتناقص العلاج في المستشفيات الحكومية، ويعجز العدد المحدود منها عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى.

ويعبر هؤلاء المواطنون عن استيائهم من تحوّل النفط في محافظتهم من ثروة طبيعية تخدم اقتصاد البلد بشكل أساس، إلى مسبب للمرض والموت!

وكان فريق تابع لشبكة “بي بي سي” قد أجرى تحقيقاً في البصرة، بيّن فيه أن التجمعات السكانية التي تقطن بالقرب من حقول النفط حيث يحترق الغاز في الهواء، يكون أفرادها معرضين للإصابة بسرطان الدم.

ونقلت الشبكة عن الأمم المتحدة تأكيدها، إنها تعتبر مثل هذه الأماكن في العراق “مناطق لتقديم القرابين البشرية في العصر الحديث”، حيث تعطى الأولوية فيها للربح بدلاً من احترام حقوق الإنسان!

وتعمل في هذه المواقع اثنتان من كبريات الشركات النفطية، هما “إيني” الإيطالية، و”برتش بتروليوم” البريطانية.

النجف وصلاح الدين

وتسجل محافظة النجف بدورها ارتفاعاً في الإصابات السرطانية، إذ تتكدس أعداد من المرضى في قاعة الانتظار بمستشفى الأورام السرطانية في المحافظة، لتتلقى العلاج.

وجاء في آخر إحصائية نشرها المستشفى، ان “229 إصابة جديدة بالسرطان سجلت خلال شهر واحد فقط، ليرتفع عدد المصابين إلى أكثر من 1200 إصابة خلال النصف الأول من هذا العام، بضمنها إصابات من محافظات مجاورة”.

وفي حديث صحفي، يقول معاون مدير المستشفى الوطني للأورام وأمراض الدم في النجف، سلام صلاح، ان “المستشفى يشهد زخماً كبيراً، حيث يراجعه أيضا مرضى من بقية المحافظات، تصل نسبتهم في بعض الأحيان إلى 70 في المائة”، مضيفا قوله أن مستشفاه يستقبل يومياً 250 حالة مراجعة لاستشاريات الأورام وأمراض الدم، وإن شهر تموز هذا العام شهد تسجيل 229 حالة.

وفي المقابل، سجل مركز الأورام السرطانية في محافظة صلاح الدين، أكثر من 1800 إصابة سرطانية خلال العام الماضي، بسبب التلوّث البيئي وانتشار المواد المسرطنة في التربة - حسب إحصائيات أعلنها المركز نفسه.  يأتي ذلك وسط عجز المركز، وهو الوحيد في المحافظة، عن استيعاب تلك الأعداد. إذ يقوم بإحالة معظم الإصابات إلى بغداد، أو إلى المحافظات الشمالية لتلقي العلاج.

الفلوجة .. قصة أخرى!

وإذا كانت لكل محافظة أسباب تختلف عن غيرها، وأسباب أخرى مشتركة، فإن ارتفاع الإصابات بمرض السرطان في الأنبار، وخاصة في قضاء الفلوجة، تتركز أسبابه على القصف الأمريكي.

وكانت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، قد نشرت تقريراً جاء فيه أن “حالات السرطان في قضاء الفلوجة الذي تعرض عام 2004 لقصف أميركي غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، تفوق نسبتها ما حدث في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، اللتين ألقى الأميركيون عليهما قنابل ذرية في الحرب العالمية الثانية”.

ووفقا للتقرير، فإن أطباء في الفلوجة لاحظوا كثرة الوفيات بين المواليد الجدد، وزيادة عدد حالات التشوه الخلقي بينهم، حيث تستمر الآثار المدمرة للقصف لأجيال لاحقة.

واستند التقرير إلى نتائج دراسة أجريت في الفلوجة، أكدت إن الإصابات بين الأطفال دون 14 عاماً أكثر من مثيلاتها في الكويت بثمانية أضعاف، ومن مثيلاتها في الأردن بأربعة أضعاف.

وبحسب تحقيق وثائقي نشرته شبكة “راي” الإيطالية عام 2005، فإن القوات الأمريكية استخدمت الفوسفور الأبيض المحرم دولياً، ضد المدنيين في الفلوجة ومناطق أخرى من العراق.