اخر الاخبار

بالتزامن مع حلول 1 أيّار (عيد العمال العالمي)، تنشر “طريق الشعب” سلسلة تقارير، تسلط الضوء على وضع العمّال والمصاعب المعيشية والمشكلات التي يتعرضون لها في العمل.

رغم مضي قرابة ستة أعوام على تشريع مجلس النواب لقانون العمل، الذي دخل حيز التنفيذ كخطوة مهمة لمواكبة العراق دول العالم وانخراطه في الاتفاقات الدولية لحماية حقوق العاملات والعاملين، إلا أن تأكيدات كثيرة ينقلها معنيون تبيّن العثرات التي تواجه تطبيق مواد هذا القانون برغم احتوائه على مضامين جيدة.

وتبرز خلال هذه الإشكالية، معضلة حقيقية تواجه النساء العاملات في القطاعين العام والخاص، تتعلق بانتهاكات كثيرة لا يكشف الستار عنها، مقابل ضعف رقابي حكومي في تفعيل مواد القانون وحماية النساء من ظاهرة الابتزاز والإساءة والاستغلال.

قانون جيد وانتهاكات كثيرة

وبحسب المعنيين، فإن مواد كثيرة أوردها قانون العمل العراقي ضمنت في طياتها حقوقا كثيرة للعاملات والعاملين في القطاعين العام والخاص. أي أن القانون الذي شرعه مجلس النواب وفقا لتعبيرهم، هو من أفضل النصوص على مستوى بلدان المنطقة، ولكن تفعيل مواده بقي مجرد حبر على ورق، ما تسبب بتزايد حالات الانتهاك وخصوصا للنساء العاملات.

ويؤكد الفصل الثاني من القانون على “تنظيم علاقات العمل بين العمال وأصحاب العمل ومنظماتهم بهدف حماية حقوق كل منهما، وتحقيق التنمية المستدامة المستندة إلى العدالة الاجتماعية والمساواة وتأمين العمل اللائق للجميع من دون أي تمييز لبناء الاقتصاد الوطني وتحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتنظيم عمل الأجانب العاملين أو الراغبين بالعمل في جمهورية العراق وتنفيذ أحكام اتفاقيات العمل العربية والدولية المصادق عليها قانونا”.

وتقول المحامية المهتمة بحقوق العمال، منى كاظم حسين، إن “مواقف العراق بعد 2003 كانت ايجابية مع رؤية منظمة العمل الدولية التي تصوغ الاتفاقيات وتدعو للمصادقة عليها من أجل توفير بيئة آمنة للعمال من كلا الجنسين، لكن الواقع الذي نعيشه حاليا لم يطرأ عليه أي تحسن بسبب غياب القانون وعدم تنفيذ مواد كثيرة صادق عليها مجلس النواب. علما إن الاستجابة لتشريع القانون لم تأت بشكل عفوي، وإنما كان للمنظمات والنقابات والناشطين دور مهم في المطالبة بحماية حقوق العمال رغم تهميش هذه الطبقة بشكل كبير نتيجة السياسات الخاطئة والقضاء على القطاعات الإنتاجية وتصفيتها”.

وتوضح حسين لـ”طريق الشعب”، إن “ القوانين نصت على حماية العاملات وحقوقهن بالحرية النقابية، وإنهاء جميع أشكال التمييز والتساوي في القيمة، وهناك مطالبات آنية تدعو للانخراط ضمن اتفاقية 190 الدولية التي تمنع التحرش بالنساء في مواقع العمل أو التعرض لهن، لكن الاستجابة من قبل الحكومة بطيئة بهذا الشأن، رغم الحملات التي نظمتها الاتحادات النقابية ومنظمات المجتمع المدني”، مبينة أن “المصادقة على هذه الاتفاقية هي من واجبات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. حيث يفترض أن تبدي استعدادها للتوقيع على مثل هكذا اتفاقيات وتلتزم بمواءمتها مع القوانين المحلية النافذة لغرض تطبيقها على أرض الواقع”.

وتؤكد المحامية إن “الانتهاكات بحق النساء كثيرة جدا في العراق رغم صراحة القوانين العراقية ووضوحها بشأن وجوب حفظ حقوق النساء العاملات في القطاعين العام والخاص. كما إن الانتهاكات تكثر في القطاع الخاص الذي يشهد الكثير من الفظائع المسكوت عنها”، لافتة إلى “وجود شكاوى كثيرة من نساء يتعرضن في مواقع العمل إلى أبشع وسائل الاستغلال والمساومة دون توفير الحماية اللازمة لهن”.

نموذج للمأساة

ويخصص قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 فصلا كاملا لحقوق العاملات، يوضح فيه قضايا عديدة تتعلق بالأجور وساعات العمل والتمتع بالإجازات وعدم التمييز والحماية وتفاصيل عديدة، لكن شكاوى كثيرة تؤكد أن هذه النصوص لم تر النور في أغلب الأحيان.

وتتحدث المواطنة، نور حمدي، وهي عاملة في احدى شركات القطاع الخاص، عن مخالفات جسيمة يرتكبها أرباب العمل بحق العاملات، خلافا للقوانين والحقوق المنصوص عليها قانونا.

وتقول حمدي لـ”طريق الشعب”، “كنت شاهدة على انتهاكات حصلت في أحد معامل الخياطة ببغداد، حيث إن بعض العاملات يكلفن بالقيام في أعمال متعبة جدا ليست من ضمن مهامهن، كما إن إحدى العاملات الحوامل، سرحت من العمل بعد ولادتها ولم تحصل على إجازة رغم إن قانون العمل ينص على ذلك”، مبينة أن “الحكومة غائبة ولا تقدم الجهود الكافية لجعل تنفيذ مواد القانون أمرا واقعا يخشاه بعض أرباب العمل الذين يتعاملون بقسوة مع عمالهم”.

وعن اللجان التفتيشية الموجودة في وزارة العمل، تلفت المتحدثة إلى ان “اللجان لا نسمع عنها في مواقع عملنا”.

خبايا القطاع الخاص

من جانبها، تكشف الناشطة في مجال حقوق المرأة، شمس يوسف، تفاصيل كثيرة عن حالات الانتهاك بحق العاملات في القطاع الخاص.

وبحسب حديث يوسف لـ”طريق الشعب”، فإن “نساء كثيرات يتم توقيعهن في القطاع الخاص، على (كمبيالات) مالية مقابل إعطائهن فرصة للعمل”، موضحة ان الكمبيالة تنص على “دفعهن مبالغ مالية ضخمة بحال تركن العمل لأي سبب كان”. وتضيف يوسف ان “نساء كثيرات يقبلن بهذه الشروط بسبب شظف العيش والاضطرار الى العمل بهكذا ظروف بائسة، لكن الكارثة تبدأ حين تطلب العاملة ترك العمل بسبب المضايقات، وبالتالي تكون أسيرة وفقا للعقد الذي لا تستطيع دفع ثمن شرطه، وتواجه عمليات ابتزاز جسدي، لا يتم الحديث عنه بسبب العادات الاجتماعية البالية، وخوفا من الوصمة التي تبقى عالقة بالمرأة عكس الرجل”، لافتة إلى أن “محاكم العمل تكاد تخلو من الإعلان عن هكذا حالات، وهذا دليل واضح على إن القضية لا تثار لهذه الأسباب، ولأن الدولة لا تتخذ الإجراءات الكفيلة لتشجيع العاملات على الحديث عن مشاكلهن وحمايتهم ومعاقبة المسيئين بشكل رادع”.

وترى الناشطة أن “الاتحادات النقابية يجب أن تقوم بدور أكبر من الحالي، لأنها معنية بالأمر وتقدر على فرض أمور كثيرة على الوزارة، خصوصا وأنها تحضر مع الممثلين الحكوميين ونقابات أرباب العمل في مؤتمرات منظمة العمل الدولية، وبالتالي لا بد من تفعيل حضورها والتنسيق مع المنظمات المدنية والمعنية بحقوق العمال”، مشددة على أن “اللجان النيابية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، كما أن لجنتي العمل والمرأة لم تقوما بمواجهة المساعي الحالية التي تريد تعديل قانون العمل من أجل تقليص حقوق العمال فيه، تماشيا مع مصالح أرباب العمل”.