اخر الاخبار

يشكل ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم تحدياً كبيراً أمام الاقتصاد العراقي، والذي يرتبط بعوامل خارجية لها علاقة بالأسواق العالمية، وداخلية مرهونة بالسياسات الحكومية ودورها في تحديد مسارات الوضع، والتي يصفها اقتصاديون بالـ “ترقيعية”.

ويؤشر الاقتصاديون ضعفا في سياسات دعم المنتج المحلي، وعدم توفير الحماية الكافية للقطاع الخاص، إلى جانب تأثيرات سلبية للتضخم، وتدهور القوة الشرائية.

عوامل خارجية

ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن “ارتفاع الأسعار يشير بالتأكيد إلى زيادة معدلات التضخم، وهذا ينعكس سلباً على المواطن والاقتصاد العراقي عمومًا”، موضحاً أن “الزيادة في الأسعار تؤدي إلى تقليل القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة لثبات دخولهم”.

ويضيف المشهداني في حديث مع “طريق الشعب”، أن أسعار يؤثر عادة على الشرائح الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود، وكذلك على الموظفين والمتقاعدين الذين لا يمتلكون مصادر دخل إضافية، مبيناً أن أصحاب المشاريع قد يضطرون إلى رفع أسعار منتجاتهم، برغم زيادة معدلات التضخم.

ويشير إلى أن التضخم في العراق يعزى جزئياً إلى ارتباطه بالأسواق العالمية وأثر سعر صرف الدولار في الأسعار المحلية.

ويؤكد المشهداني، أن التضخم المستمر يتجاوز سيطرة الحكومة العراقية، حيث أن الجوانب الخارجية تأثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي.

ومن الجدير بالذكر أن نسبة 90% من احتياجات العراق تعتمد على الاستيراد، وان أي ارتفاع في أسعار المواد المستوردة سيؤدي الى ارتفاعها في الداخل.

ويأمل المشهداني، إيجاد استراتيجيات لإعادة توطين الصناعة والزراعة في العراق، مؤكدا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج يعتبر عقبة رئيسية أمام هذا التحول؛ اذ انعدام الكهرباء الوطنية وتكلفة استخدام وسائل الطاقة البديلة يسهمان في ارتفاع تلك التكاليف”، وبالتالي فان “القدرة على المنافسة مع المنتجات الأجنبية تتعذر بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلية، ما يجعل السلع المستوردة تدخل بأسعار أرخص وتفضيلية”.

سياسات هشة

ويعرب الخبير الاقتصادي ابراهيم الشمري، عن قلقه إزاء سياسة الحكومة المتعلقة بدعم المنتج المحلي، مشيرا إلى أنها “سياسة هشة وضعيفة”.

ويقول الشمري لـ “طريق الشعب”، انه “في بعض الأحيان تكون بعض المنتجات الزراعية متاحة في مواسم معينة بكميات كبيرة، إلا أنه عندما يزيد الطلب عليها يتم فتح أبواب الاستيراد لتلبية هذا الطلب، مما يتسبب في فشل المنتج وتضرر المزارعين”. ويضيف الشمري، أن القطاع الخاص في العراق يفتقر إلى الحماية الكافية من قبل الدولة، ما يؤثر سلباً على قدرته على المنافسة والنمو.

وبخصوص التضخم، يشير الشمري الى أن له آثاراً سلبية عديدة، منها تغييرات في نظام المحاسبة وتقلبات في قيمة العملة، منبها إلى أن انخفاض القوة الشرائية للعملة يؤثر على الاقتصاد وثقة المواطنين في الجهاز المصرفي.

وفي ما يتعلق بسياسة البنك المركزي العراقي، يبدي الشمري مخاوفَ من عدم السيطرة الكافية على السوق المالية، ما يجعل السوق الموازي والمضاربين يلعبون دوراً كبيراً في إدارة الأوضاع الاقتصادية.

عادات استهلاكية متفاوتة

أما الخبير الاقتصادي جليل اللامي، فيجد أن “العادات الاستهلاكية تتفاوت بين الفئات الاجتماعية، استناداً إلى الموارد المتاحة والظروف الاقتصادية”.

ويقول اللامي لـ”طريق الشعب”، ان “المناطق النفطية الغنية يسودها نمط استهلاكي معين بسبب توافر الأموال وانخفاض التضخم. ومع ذلك، اتجهت بعض البلدان إلى خفض الاستهلاك للحد من هدر الموارد”.

ويردف اللامي حديثه بأنه “في العراق تختلف الأمور؛ حيث يعاني المواطنون من ارتفاع أسعار السلع والخدمات على الرغم من توافر سيولة في خزينة الدولة، ما أدى الى ارتفاع نسبة التضخم السنوي لعام 2023، لتزيد على 8.2 في المائة”.

ويشير الى ان “هذا الارتفاع في التضخم يتزامن مع انخفاض القدرة الشرائية، برغم توفر الأموال بفضل ارتفاع أسعار النفط. على الجانب الآخر، يظهر تقاعس في دعم المنتج الوطني من قبل السياسات والقرارات الصادرة من الجهات المختصة”.

ويشدد على “أهمية تعزيز القوانين والقرارات المتعلقة بدعم المنتج الوطني، من خلال تطوير الشروط والعقوبات الجزائية، اضافة الى تنفيذ خطة تطويرية للمنتجات العراقية وتعزيز شعار (صنع في العراق)”، معتقدا ان ذلك “يدعم القطاعات الاقتصادية غير الحكومية، ما يعمم الفائدة على جميع شرائح المجتمع، بدلاً من تأثير التضخم المالي على فئة معينة”.

ترقيع اقتصادي

فيما يعتبر الخبير المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، أن ارتفاع الأسعار وعدم استقرار البضائع والخدمات، بالإضافة إلى السلع الأساسية والثانوية، والمنتجات الخاصة بالأجهزة الكهربائية والعقارات، تقود إلى كساد اقتصادي”، منبها الى ان هذا ينتج عنه ارتفاع أسعار الخدمات، في حين يواجه المواطنون زيادة في التكاليف.

وفي ظل هذا السياق، يشير حنتوش خلال حديثه مع “طريق الشعب”، إلى غياب السياسات الاقتصادية الرصينة لدى الحكومات المتعاقبة، حيث أن ما يجري هو عملية ترقيع اقتصادي لا أكثر، حيث تتم معالجة الأوضاع بشكل جزئي وعشوائي، دون وجود خطة أو استراتيجية واضحة. وبالرغم من وجود تحديات اقتصادية، إلا أن السلطات لا تعتمد على استشارات خبراء اقتصاديين في وضع الخطط الاقتصادية.

ويردف حنتوش كلامه قائلا إن منظومة صناعة القرار الاقتصادي تمتلك تريليونات الدنانير لكنها عاجزة عن وضع خطة لمستقبل العراق خلال السنوات القادمة، لافتا الى ان “معظم المنتجات التي يستوردها العراق حاليًا تأتي من دول تعاني من انهيار اقتصادي، ما يجعل أسعارها منخفضة، لكنها تواجه عمليات فساد ومشاكل في الكمارك وعمليات التحويل، الامر الذي يؤدي إلى زيادة أسعارها”.

وفي ختام حديثه، ينوه حنتوش بان “التضخم يعكس تراجع القيمة النقدية للعملة، وهو حالة اقتصادية سلبية تزيد من تحديات الاقتصاد وتؤثر سلبًا على الحياة المالية للأفراد والمجتمع بشكل عام”.

عرض مقالات: