اخر الاخبار

تدفع الخسائر الفادحة التي يتعرض لها المزارعون في العراق جراء إغراق الأسواق بالمحاصيل المستوردة، نحو تعميق أزمة الزراعة في البلد، الذي يشهد بالأساس شحاً في الموارد المائية وضعفا في دعم القطاع الزراعي. إذ يضطر الكثيرون من المزارعين إما إلى بيع محاصيلهم بأثمانٍ بخسة أو تركها تتعرض للتلف، وصولا إلى هجرة أراضيهم والتوجه نحو أعمال أخرى تؤمّن لهم ولعائلاتهم متطلبات المعيشة.

ورغم منع الحكومة استيراد عدد غير قليل من المحاصيل التي تُزرع محلياً، إلا أن هذه القرارات تبقى “حبرا على ورق” - وفق عاملين في القطاع الزراعي وخبراء اقتصاد. إذ يؤكد هؤلاء عبر وسائل الإعلام، أن الأسواق مليئة بالمحاصيل الأجنبية التي تدخل عبر منافذ حدودية غير رسمية.

الأمر مقصود!

عمار التميمي (أبو أحمد)، وهو مزارع من محافظة بابل، يقول في حديث صحفي أنه يمتلك أرضا زراعية مساحتها 40 دونماً، وهي مصدر عيشه وعائلته الوحيد، مبينا أنه يزرع الأرض بمحاصيل مختلفة.

ويضيف في حديث صحفي أن المحاصيل المستوردة لا تزال تغزو الأسواق وتنافس مثيلاتها المحلية، معتقدا بأن “هناك قصدية في إغراق السوق بالمحصول المستورد خلال مواسم وفرة الإنتاج المحلي”!

ويوضح أبو أحمد أنه يزرع الباميا والباذنجان والطماطم والبطاطا والبطيخ، لافتا إلى ان هذه المحاصيل، ورغم الجهد الكبير الذي يبذله في زراعتها مع أولاده، إلا أنه لا يجني مردودا ماليا مناسبا، وغالبا ما ينتهي الموسم بخسائر فادحة، بسبب منافسة المحاصيل المستوردة التي تملأ الأسواق.

وينوّه إلى أن “المنتجات الزراعية الأجنبية حينما تدخل الأسواق المحلية بكميات كبيرة، تفسح المجال أمام التجار لإرغام المزارعين ببيع منتجاتهم بأثمان بخسة، وهذا يحصل في ظل غياب المحاسبة الحكومية”، لافتا إلى أن “هناك فلاحين يضطرون إلى اتلاف محاصيلهم، أو توزيعها مجانا على المواطنين، بدل بيعها إلى التجار بخسارة”.

أسوأ موسم

من جانبه، يقول سلام محسن، وهو صاحب مزرعة عنب في ديالى، أن “الموسم الزراعي الحالي كان أسوأ موسم مر به”، مشيرا في حديث صحفي إلى أنّ مزرعته انتجت خلال الموسم الحالي قرابة 4 أطنان من أجود أنواع العنب.

ويبيّن انه باع منتجه لأحد التجار قبل موسم القطاف، بمبلغ مليون ونصف المليون دينار، خوفاً من تلفه أو عدم إيجاد من يشتريه خلال موسم الوفرة، منوّها إلى أنّ السعر الذي باع به محصوله لا يغطي ربع حجم المصروفات التي ينفقها سنوياً على مزرعته.

ويضيف أنه قرر أن يكون هذا آخر موسم يزاول فيه عمله الزراعي. إذ سيبيع مزرعته ويتوجه إلى مهنة أخرى.

لا دعم للقطاع الزراعي

عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية في ديالى، عمار علي، يقول ان “85 في المائة من المحاصيل الزراعية المعروضة في أسواق المحافظة، مستوردة من دول عدة. فيما يعتمد السوق على 15 في المائة فقط من الإنتاج المحلي، رغم أن هذه المحافظة تضم أراضي زراعية واسعة”.

ويضيف في حديث صحفي، أن “دول الجوار تدعم القطاع الزراعي، على عكس سياسة العراق في هذا الشأن، ما أدى إلى تفاوت في الأسعار والاتجاه نحو المستورد ذي السعر المنخفض”، مؤكدا أن “هذا الأمر خلف آثارا سلبية على الاقتصاد الوطني، بسبب خسارة القطاع الزراعي والاعتماد على المنتج المستورد الرخيص”.

ويدعو علي الحكومة إلى دعم القطاع الزراعي وتقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة.

بين شح المياه وتردي الكهرباء

إلى ذلك، يقول الخبير في الأمن الغذائي عباس مهدي، أن “إغراق الأسواق بالمنتجات المستوردة يفاقم مشكلات القطاع الزراعي والعاملين فيه، الذين يعانون بالأساس شح المياه وتردي الكهرباء”، مشيرا في حديث صحفي إلى أن “هجرة سكان الريف إلى المدن تعاظمت بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى انتكاسة القطاع الزراعي”. ويرى مهدي ان “من واجب الحكومة إيلاء موضوع استصلاح الأراضي أهمية قصوى، بعد أن أصبحت البيئة المحلية طاردة وغير مشجعة على الزراعة”. وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم - حسب تصريحات صحفية أخيرة لوزير الزراعة محمد كريم الخفاجي. وكانت تلك الأراضي، جميعها، تستغل زراعيا قبل 2003.

منافذ حدودية غير رسمية

بدوره، يشدد الخبير في الشأن الجمركي، مصطفى الفرج، على أهمية وضع آلية للحد من تهريب السلع عبر المنافذ غير الرسمية، موضحا في حديث لوكالة أنباء “العربي الجديد” أن “هناك العشرات من المنافذ غير الرسمية في إقليم كردستان، يجري عبرها تهريب مختلف البضائع والمنتجات دون رقابة، ما يشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد العراقي، كون هذه المنافذ لا تخضع للسيطرة النوعية والكمية من قبل الحكومة”.

ويشير إلى أنّ “المنافذ الرسمية في كردستان لا تخضع للتعرفة الجمركية الرسمية للدولة. لذلك تتبع تعريفة خاصة بها”. ويدعو الفرج إلى “إخضاع جميع منافذ العراق للسلطة المركزية، من أجل السيطرة على كم ونوع البضائع الداخلة إلى البلد، لأن استمرار الأمر لا يتسبب فقط في خسائر للاقتصاد، إنما يشكل خطراً على حياة العراقيين. فهناك سلعاً وبضائع لا تخضع للرقابة الصحية وقد تكون منتهية الصلاحية”.