اخر الاخبار

حتى عام 2003، كان التخطيط العمراني الغالب للبيوت العراقية ينسجم مع ثقافة المجتمع وتاريخه. فقد كانت المنازل تمتاز بمساحات واسعة يتجاوز بعضها 600 متر. لكن الفوضى التي حلت في البلاد بعد 2003 في ظل المحاصصة والفساد، شملت كل شيء وانتهت الى  إفساد التخطيط العمراني على مختلف المستويات، بما في ذلك تحويل البيوت الكبيرة إلى شقق صغيرة، بواجهات لا تتجاوز 3 أمتار، ما تسبب في تشوه عمراني وبصري كبيرين.

يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه البلاد أزمة سكن حادة، مع تصاعد أعداد السكان دون أي إجراءات حكومية جادة لمعالجة هذه الأزمة.

وأطلقت الحكومة الحالية مشروعاً للاستثمار في 5 مدن سكنية جديدة، مؤكدة أن أزمة السكن ضمن أولويات برنامجها، وانها تسعى لتقليص عدد المواطنين المضطرين للسكن في المناطق والمساكن العشوائية غير القانونية.

غير إن مشاريع الإسكان التي نفذت على مدى السنوات الأخيرة، لم تساهم في التخفيف من حدة أزمة السكن، بسبب أسعار وحداتها السكنية الباهظة، التي لا تناسب الفقراء أبدا، وحتى الطبقة المتوسطة – وفق ما يراه عديد من المتابعين.

المنازل الكبيرة للأغنياء فقط!

المهندس المعماري محمد الصوفي، يقول في حديث صحفي أن “الحاجة المستمرة للسكن ساهمت في تحوّل البيوت الكبيرة إلى مجمعات سكنية صغيرة، في ظل تصاعد الكثافة السكانية واستمرار الهجرة نحو المدينة”، مبينا أن “هذه الأمور أثرت بشكل كبير على المنظومة العمرانية للمدن. إذ باتت هناك منازل كبيرة يسكنها أصحاب الأموال، وأخرى صغيرة يسكنها العاملون لديهم”!

 ويؤكد أن “المعايير الخاصة بالبناء، تكاد تكون معدومة بسبب الحاجة الكبيرة إلى السكن. فيما بقية القوانين المعنية لم تتطور مع تطور الأوضاع”.

ويدعو الصوفي إلى معالجة أزمة السكن عبر إجراء دراسة سكانية من قبل خبراء تقع على عاتقهم معرفة الزيادة السكانية المتوقعة، وتحديد مواقع بناء المدن الجديدة، مع الاهتمام بنظام النقل “فمن دون وسائل النقل لا فائدة لأي مدينة جديدة في حل أزمة السكن”.

قُنّ الدجاج!

لا تقتصر مشكلة التشوّه العمراني على تقسيم البيوت الكبيرة إلى أخرى صغيرة، إنما تشمل أيضا تحويل بعض المنازل إلى عمارات سكنية ومبان تجارية، دون أن يكترث أصحابها للقانون الذين يمنع ذلك، ودون أن يتبعوا التعليمات الخاصة بالبناء العمودي. وقد استغل كثير من التجار وسماسرة العقارات، أزمة السكن في تحويل الدور ذات المساحات الواسعة إلى شقق بمساحات صغيرة تفتقر لشروط السكن الصحي.

ويشكو المواطن عمار حسين، الذي يقطن في بيت لا تتجاوز مساحته 40 متراً مربعاً، من الصعوبات التي يواجهها في هذا السكن، مشيراً في حديث صحفي إلى أن “ضنك المعيشة، وارتفاع أسعار الأراضي والبيوت، أجبراه على تقبل هذا الواقع”.

ويوضح أن “البيت الذي أسكنه لا يختلف عن قُن الدجاج، ولا يصلح للسكن. فهو عمودي وواجهته مساحتها مترين ونصف فقط. لذلك لا يمكنني حتى تأثيثه جيدا، أو استقبال الضيوف فيه”، مستدركا “لكن بالرغم من صغر مساحة البيت، إلا اننا أفضل حالا من غيرنا الذين لا مأوى لهم، أو الذين يسكنون في بيوت الصفيح”!

البلدية تتساهل مع المتجاوزين!

من جهته، يحمّل الخبير الاقتصادي فائز طه، دوائر البلدية مسؤولية سوء التنظيم في منح إجازات البناء، والتساهل مع المتجاوزين على القانون في تقطيع المنازل. كما يحمّل الحكومات المتعاقبة أيضاً مسؤولية أزمة السكن، كون مشاريعها في هذا الملف لم تستهدف الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.

ويشير في حديث صحفي إلى أن “القروض السكنية التي أطلقها البنك المركزي لا تنسجم مع الحاجة الفعلية للسكن، بسبب المبالغة الكبيرة في أسعار الوحدات السكنية، وفي آلية تسديد القروض التي لا يتمكن منها حتى أصحاب الدخل المتوسط”، مضيفا قوله أن “حل المشكلة يتطلب إنشاء مدن رديفة تكون قريبة من المدن الأصلية لاستيعاب الزيادة السكانية المستمرة. وعلى الحكومة نقل فروع من دوائرها إلى المدن الجديدة، كي تستقطب أكبر عددا من السكان، وتسهل عملية تنقلهم وممارسة حياتهم بالقرب من المؤسسات التي يعملون فيها، أو يحتاجون إليها في تقديم الخدمات”.

إجراءات حكومية لعلاج الأزمة

حسب دراسات أجراها اختصاصيون، فإن حل أزمة السكن في العراق يتطلب إنشاء 3 ملايين وحدة سكنية. ويكشف المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، نبيل الصفار، عن إجراءات حكومية لحل أزمة السكن، تشمل تشكيل لجنة عليا تعمل على إنشاء المشاريع السكنية.

ويوضح في حديث صحفي أنّ “الوزارة أنشأت تشكيلاً جديداً بعنوان هيئة المدن الجديدة، يأخذ على عاتقه إيجاد مدن خارج مراكز المحافظات، ويجري ذلك عبر فرز واستملاك الأراضي بالتعاون مع وزارتي الزراعة والمالية، لتقسيمها على المواطنين بعد توفير كافة الخدمات”.

ويضيف قوله أن “الحكومة تعمل على بناء 15 مدينة سكنية كمرحلة أولى، موزعة على 10 محافظات. وقد فتحت الباب للمستثمرين من القطاع الخاص بعد توفير بيئة آمنة وضمانات لهم. كما انتهت الحكومة إلى تشخيص سببين أديا إلى تفاقم أزمة السكن، هما: الفساد الإداري والاستثمار غير الصحيح، والآن تعمل جاهدة في اتجاه معالجتهما، وعدم تكرار الأخطاء السابقة”.