اخر الاخبار

يوما بعد آخر تتزايد حالات العنف الأسري في العراق، بصورة مخيفة. وتسجل الأجهزة الأمنية والطبية بين حين وآخر، حالات عنف تخلف ضحايا من النساء والأطفال، وحتى كبار السن. وفي المقابل لا تضع السلطات عقوبات رادعة بحق مرتكبي هذه الجرائم، في ظل عدم وجود قانون يحد منها ويحمي الضحايا.

ولا يزال العراق يفتقر لقانون ضد العنف الأسري. ففي آب 2020، صوتت الحكومة على مسودة مشروع قانون الحماية من العنف الأسري، ومنذ ذلك الحين لم يصوت مجلس النواب على القانون، وسط تجاذبات وعراقيل حادة تشريعية وسياسية، وضعتها كتل سياسية، اعتبرت أن القانون المقترح يقلّد قوانين غربية، ويهدف إلى تفكيك الأسرة ولا يتناسب مع متطلبات المجتمع وتقاليده وعاداته، ويمنح المرأة الحق في الحصول على رعاية حكومية، ما قد يشجعها على التمرد!

وطالب نوّاب تحت قبة البرلمان، مرارا، بتشريع القانون نظرا لضرورته “لكن إرادات سياسية وتوجهات لبعض الأحزاب الدينية تمنع تشريعه” – حسب النائب المستقل هادي السلامي.

والمثير في الأمر، أن قانون العقوبات العراقي لا يزال يتعامل مع ما يسمى بـ “جرائم الشرف” التي تشتمل على أعمال عنف مثل الاعتداء وحتى القتل. فهناك الكثير من الجرائم ضد النساء، ترتكب في المنازل، وتصنف من قبل الجناة بأنها “جرائم شرف” أو “حق التأديب”، ما يخفف العقوبة على الجاني.

وكانت منظمة العفو الدولية قد نبّهت مطلع العام الجاري، إلى عدم وجود نظام فعال في العراق، للإبلاغ عن العنف الأسري، ولا ملاجئ مناسبة لحماية النساء والفتيات المعنفات.

وأخيراً، شهدت منطقة النهروان شرقي بغداد، حادث عنف أسري خطيراً، انتهى بإطلاق رجل النار على زوجته وابنته قبل أن ينتحر. وسبق ذلك وفاة طفل يدعى يوسف ولاء (7 سنوات) إثر جريمة مروعة شهدتها منطقة الخطيب التابعة لحيّ الشعلة في العاصمة، وذلك بعد ان تعرّض لتعذيب قاسٍ على يد زوجة أبيه.

انتشار المخدرات

مدير الشرطة المجتمعية العميد غالب العطية، يقول في حديث صحفي أن “العنف الأسري يزداد لأسباب مختلفة، منها انتشار المخدرات وقلة الوعي وصعوبات الحياة، إضافة إلى تعمّد السكوت وعدم تقديم شكاوى”، مؤكدا أن “الشرطة المجتمعية تستقبل اتصالات كثيرة من رجال ونساء، وحتى أطفال، يتعرضون لعنف داخل المنازل. ونرصد يومياً حالات غير اعتيادية من العنف الأسري تأخذ طابع ارتكاب جرائم تترافق مع إصرار وترصد”.

وفي العام الماضي 2022، أعلنت دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى، إحصائية لمعدلات العنف الأسري ضد الأطفال والنساء وكبار السن، في الفترة من مطلع العام حتى شهر حزيران منه، مبينة أن عدد الدعاوى التي وصلت القضاء بلغ 10143 دعوى.

تشريع القانون انتصار للمجتمع

وكثيرا ما يطلق برلمانيون وناشطون حقوقيون ومنظمات مجتمع مدني، حملات تهدف إلى الدفع باتجاه تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، الذي لا يزال مركونا في أدراج البرلمان منذ 2020.

وفي هذا الصدد، تقول الناشطة أفراح حسن ان “أعضاءً في الحكومة والبرلمان يرفضون إقرار قانون العنف الأسري. فيما يعمل الحراك الاجتماعي للمنظمات المدنية منذ سنوات على خلق رأي مساند للتشريع، وإقناع الكتل السياسية المتخوفة من إقرار القانون، والمضي نحو تمريره داخل البرلمان رغم الصعوبات التي يواجهها هذا الحراك. فالنجاح في تمرير القانون سيكون انتصاراً للمجتمع”.

وتضيف في حديث صحفي قائلة أنه “يستمر تزايد جرائم العنف الأسري بسبب عدم وجود عقوبات رادعة، ما يكرّس غالباً ظاهرة الإفراج عن الجناة، رغم أن بعضهم قتلة فعلاً، وذلك بعد تغيير محاكم ومحامين أنواع الجرائم إلى دفاع عن النفس، أو جرائم شرف، أو اعتبار أن جرائم القتل حصلت بسبب حوادث غرق أو انتحار”، لافتة إلى أن “عشرات الجرائم ترتكب شهرياً من دون أن يكشفها الإعلام، ويذهب ضحيتها نساء وأطفال غالباً، وأحياناً رجال”.

أزمات اجتماعية خطيرة

من جهته، يقول النائب المستقل هادي السلامي، أن “قانون العنف الأسري بات ضرورياً. وقد طالبنا مرات بضرورة إقراره في البرلمان، لكن إرادات سياسية وتوجهات لبعض الأحزاب الدينية تمنع تشريعه”، مؤكدا في حديث صحفي أنه “نسمع يومياً عن قصص عنف أسري مأساوية كثيرة، ونرى أن استمرار السكوت عنها يعني أننا مقبلون على أزمات اجتماعية خطيرة”.

ويطبق العراق مواد تشريعية صدرت في عام 1969، تسمح للزوج أو الأب بـ “تأديب الأبناء أو الزوجة بالضرب ما دام لا يتجاوز حدود الشرع”. ويورد قانون العقوبات أنّه “لا جريمة إذا وقع فعل الضرب من خلال استعمال حق يقرره القانون”، في إشارة إلى حق التأديب. وتفرض الشرطة عادة تعهدات على من سبّب الضرر لشخص آخر إذا كان والداً أو والدة أو زوجاً، في إطار إجراء “مصالحات”، وإذا كان الأب، تُلزم الشرطة الأطفال بالعودة إلى المنزل.