اخر الاخبار

منذ اشهر ومشروع موازنة ٢٠٢١ يدور في غرف مجلس النواب ، ويتم تداوله في الاجتماعات واللقاءات الماراثونية في  اللجنة المالية البرلمانية ، وفي مجرى مساعي رئاسة البرلمان  لتذليل الصعوبات والاشكاليات والتقاطعات في مواقف الكتل السياسية الممثلة في البرلمان. 

ولعل هذا المشهد الدرامي مما ينفرد  به العراق (بعد لبنان) ، ومن المؤكد ان وراءه أسبابا وعوامل تجعله يتكرر كل عام . 

وكان الاساس في إقرار الموازنات السابقة حصول تفاهمات  انطلاقا من  مواقف واجندات سياسية ، وهو ما ينطبق أيضا على  تمريرغالبية القوانين والتشريعات، حيث يراعى توافق المصالح السياسية الخاصة على نحو بيّن، رغم انه يغلف بغطاء مصالح “ المكونات “ و “ التوازن “. 

إضافة الى ذلك وبعد ١٨ سنة من نص الدستور على ان جمهورية العراق دولة اتحادية (فيدرالية) ، يظهر من يبدون عدم ارتياح للنظام الفيدرالي ويسعون الى قضم صلاحيات الإقليم ، فيما لم تشرّع قوانين ضامنة تعزز هذا البناء الاتحادي الديمقراطي ، مثل تشكيل المجلس الاتحادي  وتشريع قانون النفط والغاز، بما يوضح الرؤى والصلاحيات الخاصة بالحكومة الاتحادية والاقليم. ذلك ان لكل منهما صلاحياته ووظائفه التي يفترض ان لا تتمدد على حساب الاخرى، وكان من شأن تنظيمها وتشريعها ان يحل الكثير من الإشكالات القائمة التي تواجهنا اليوم، والتي كانت تحل سابقا بالصفقات والاتفاقات السياسية الضامنة لمصالح الكتل السياسية. وهذا ما اضعف التقيد بالدستور والقوانين ذات الصِّلة . 

ويبدو حسب المشهد الان كما لو ان الخلاف الوحيد في الموازنة يتعلق بحصة الإقليم والمادة ١١ من مشروع الموازنة ، في حين ان هناك خلافات وتعقيدات أخرى، منها الصراع على حصص المحافظات ، التي ينطق البعض بها ككلمة حق فيما  يراد بها في الواقع خدمة مصالح سياسية وانتخابية، ارتباطا باقتراب موعد الانتخابات. 

ومن إشكاليات هذه الموازنة انها لا تختلف عن سابقاتها من حيث التوجه وآليات البناء، إذ لا تخرج  عن كونها آلية لتوزيع موارد النفط الخام المصدر  بين مؤسسات الدولة، لتأمين نفقاتها التشغيلية والجارية التي لم تقل يوما عن ٧٠ في المائة من الإيرادات. مع ان المطلوب مثلما اكدنا مرارا، ان تكون الموازنات جزءا من خطة شاملة مدروسة جيدا، واداة أساسية من أدوات تقليل الاعتماد على الريع النفطي، والتوجه على طريق تنويع الاقتصاد وزيادة مصادر الدخل الوطني وبناء تنمية مستدامة  . 

ويأتي المشروع الحالي للموازنة صادما في نقاط عدة : فقد جاء على خلفية الرفع الحاد لسعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار وتأثيراته المتجسدة في زيادة الاسعار وخفض القدرة الشرائية للمواطنين خاصة الكادحين ومحدودي الدخل، كما انه جاء باستقطاعات رواتب العاملين في الدولة ، والضرائب المباشرة وغير المباشرة التي يفرضها، كذلك العجز الكبير غير المبرر فيها. 

لكن ما هو خطر أيضا  هذا التضمين لفقرات في الموازنة من دون تسليط الأضواء عليها،  وهي تتعلق بآلية التعامل مع الأراضي الزراعية وتسهيل تخلي الدولة عن ملكيتها، كذلك ما يتصل باصول وممتلكات الدولة. وقد كان المطلوب ان تقدم الحكومة مشاريع قوانين تحظى بالنقاش الواسع،  لا ان تدس في فقرات مغمورة في الموازنة . 

ان المطلوب هو المزيد من المراجعة والتدقيق في مشروع الموازنة  لجهة حل الإشكالية القائمة في حصة الإقليم، وذلك على اساس الدستور نصا وروحا وبما يضمن حقوق ومصالح الطرفين ويعزز ويوطد أواصر التاخي بين مختلف أطياف الشعب العراقي. فمن اللازم الا يقع شعب الاقليم ضحية  للمواقف السياسية والممارسات الخاطئة، من اية جهة جاءت. 

كما ان من الواجب ان يصار في الموازنة الى حماية الفقراء والكادحين وذوي الدخل المحدود ، وتوفير فرص العمل ، وإعادة النظر في مسألة سعر الصرف عبر تنفيذ حزمة إجراءات ناجعة، ورفع سعر بيع برميل النفط بعد ارتفاعه عالميا،  وإلغاء  النفقات غير الضرورية وتقليص غيرها ، والسير باتجاه تخفيض رواتب الرئاسات والدرجات الخاصة ،  والابتعاد عن القروض خاصة الخارجية، حيثما كان ذلك ممكنا . 

ومن الضروري ايضا زيادة التخصيصات لتنمية المحافظات، وتوزيعها بصورة عادلة تحفظ حقوق المحافظات المحررة من داعش والمحافظات المحرومة.

ويتوجب في الوقت نفسه عدم اثقال الموازنة بامور وقضايا تتطلب بحد ذاتها معالجات تشريعية مستقلة، وقبل هذا وبعده عدم تحميل المواطن اعباء التكيف مع الازمة الشاملة التى تثقل كاهل البلاد.

واخيرا فان مجلس النواب والكتل السياسية الممثلة فيه، مطالبة بالاسراع في إقرار الموازنة التي طال انتظارها كثيرا.