اخر الاخبار

بعد مرور عام على اجراء الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول ٢٠٢١، مرّر مجلس النواب الخميس الماضي حكومة السيد محمد شياع السوداني، وصادق على برنامجها الوزاري الذي حفل بوعود تتحدث عما ستنجز خلال ثلاث سنوات. فيما تضمنت ورقة المنهاج الوزاري التي اقرتها الكتل السياسية المتحاصصة في الحكومة الجديدة، إشارة الى تقديم هذه الحكومة خلال ثلاثة اشهر تعديلات على قانون الانتخابات النافذ، واجراء الانتخابات المبكرة في غضون عام من تشكيلها! 

ولم تخرج عملية التكليف والتشكيل بمجملها عن السياقات السابقة، التي اتبعت في تشكيل الحكومات منذ ٢٠٠٥ حتى اليوم. فبعد الرفض والتعطيل والممانعة ازاء حكومة الأغلبية الوطنية وفكرة حكومة الأغلبية السياسية، جاء التشكيل الجديد القديم ليواصل ما سبق وان رفضته جماهير واسعة، وجسّده مطلب انتفاضة تشرين ٢٠١٩ اجراء انتخابات مبكرة، وفرض استقالة الحكومة آنذاك. 

لقد جاء تشكيل الحكومة محكوما بنفس سياقات منهج المحاصصة، الذي  سبق ان اعتمد طيلة ١٩ عاما ، ولم يجلب الى البلد سوى المزيد من الكوارث والنكبات، والتراجع الكبير على كل المستويات ، رغم  ازدياد عائدات البلد من تصدير النفط الخام ومن ارتفاع أسعاره عالميا. 

ففي ظل الحكومات السابقة المشكلة وفق المنهج المدمر ذاته، عانت  غالبية  المواطنين من شظف العيش والبطالة، ومن تردي الخدمات في مجالات الصحة والتعليم والكهرباء والماء الصالح للشرب بصورة خاصة، فيما تفشى الفساد وغدا ممنهجا واصبح منظومة متعشقة في مؤسسات الدولة، ومع المتنفذين. 

وفي فترة حكومات المحاصصة الطائفية – الاثنية تدهورت القطاعات المنتجة الوطنية، خاصة الصناعة والزراعة، وصار البلد يعتمد في كل شيء وخلال ثلاثة اشهر على المستورد من الخارج، وشمل ذلك حتى الكهرباء والغاز الذي يحرق فتذهب ترليونات الدنانير هدرا.  

ومما افرزه  منهج التوافق (التحاصص)، هذه الهوّة السحيقة التي تفصل بين الاغلبية المهمشة الجائعة، التي تركض ليل نهار لتأمين لقمة عيشها ولاتكاد تجدها، وبين الاقلية المترفة المرفهة التي تملك المال والسلاح والنفوذ والسلطة والاعلام.. الهوة الآخذة بالتوسع والتعمق، ومعها انعدام ثقة الغالبية الساحقة من أبناء الشعب بمنظومة الحكم  ومؤسساتها. وذلك ما تجسّد بنحو واضح في نسبة الـ ٨٠ بالمائة او اكثر، التي قاطعت انتخابات تشرين الأول ٢٠٢١، وفي ما تلاها في استمرار حركات الرفض والاحتجاج ضد منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت أساسا، داخل مؤسسات الدولة وخارجها. 

وبعد هذه الحصيلة القاسية والمؤلمة من “إنجازات” منظومة المحاصصة، ليس مستغربا ان نلاحظ حالة الرفض لأية حكومة تأتي على وفق المنهج الفاشل نفسه. بل ان هذا هو المتوقع والمطلوب، لأن الناس جربت ذلك وجاءت الحصيلة كارثية بكل المعاني.

فلماذا يراد منها ان تقبل ما سبق ان رفضته، بل وقدمت الشهداء الأماجد من اجل الخلاص منه؟  

إن مواصلة ضغط الحراك الشعبي والجماهيري والمطلبي، وكل القوى المتطلعة الى التغيير الشامل، يظل مطلوبا لضمان انتزاع الحقوق، ولتنفيذ الإجراءات الموعودة في محاربة الفساد وشبكاته في مؤسسات الدولة، وضبط السلاح المنفلت. اضافة الى اتخاذ قرارات وتدابير عاجلة،  لتخفيف وطأة كلف المعيشة على الناس، ولتأمين الخدمات الأساسية لهم، وتنشيط القطاعات الإنتاجية بما يخلق فرص عمل، كذلك لفرض اجراء الانتخابات المبكرة  في غضون عام واحد، كما هو معلن في ورقة المنهاج الوزاري.

اننا نجدد موقفنا الرافض لمنظومة المحاصصة والفساد، والمطالب باجراء انتخابات مبكرة على وفق قانونٍ ومنظومةٍ انتخابيةٍ كفؤةٍ ومنصفة وعادلة، مع التشديد  على مواصلة العمل لتحشيد قوى التغيير ولملمة صفوفها، والسير قدما نحو بناء حركة شعبية جماهيرية واسعة،  قادرة على تغيير موازين القوى، وفرض الانطلاق على طريق التغيير الشامل،  المفضي الى إقامة دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية، دولة المساواة وتكافؤ الفرص للعراقيين جميعا.