اخر الاخبار

يّعد كثيرون، العلاقة بين الإداء الانتخابي للأحزاب اليسارية وبين وجود منظمات قاعدية وجماهيرية متينة وفاعلة، النقطة الأرأس في برامج تطوير هذا الأداء وتحسينه. وتشير بعض آرائهم إلى أن اتسام الحياة الداخلية بالروتينية المثيرة للملل، لاسيما في الفترات بين الانتخابات، وتركز العمل في نواة محددة من الأعضاء والمناصرين، يُفقد العلاقة مع الناخبين، الحيوية والديمومة الضرورية، ويكلف الحزب أو الحركة جهداً ووقتاً إضافياً لإستعادة تلك العلاقة عند انطلاق الحملات الانتخابية.

ويعزو البعض هذا الركود في فترات “الاستراحة” إلى محدودية التغيير الذي شهدته الحياة الداخلية، مقارنة بالتطور الكبير الذي جرى في الجوانب السياسية والفكرية، مشيرين إلى أن الحفاظ على آليات، مضى قرن على العمل بها، لا يتماشى مع سّنة التطور، مما يتطلب تقييمها، وتأصيل ما هو محفز للتقدم، وإستبعاد ما لم تعد تزكيه الحياة. ويستشهد هؤلاء بعدم قدرة قوى يسارية على تحسين أدائها الانتخابي، رغم قيامها بمراجعات فكرية مهمة.  

ويعتبر البعض مركزة العمل في التنظيمات اليسارية، سبباً لحالة الإتكالية والتردد و اللاأبالية التي تشوب عمل بعض المنظمات القاعدية، لأنها تمنح القيادات تفويضاً مطلقاً للتفكير نيابة عن العقل الجماعي للحزب أو الحركة اليسارية. وفيما يصّر آخرون على سلامة ما يطرحون، بإعتباره التعويذة الوحيدة التي تصلح لحماية البيت اليساري من الأعاصير، تشير آراء أخرى إلى أن وحدة إرادة وعمل جميع أعضاء الحزب أو الحركة، لا يقتصر على اليسار الجذري وحده، بل يشكل أساساً لعمل جميع الأحزاب السياسية في الدنيا، بما فيها الليبرالية، ولهذا فإن الدعوة إلى إلغاء هذا المبدأ، يعد هرطقة على أقل تقدير. ويشير هؤلاء إلى وجود إمكانية حقيقية للجمع بين هذه الوحدة وبين الديمقراطية، هذا الجمع الذي يُّعد برأيهم، سر تمتين وحدة اليساريين وتفعيل نشاطهم بين الناس بشكل متواصل، لاسيما إذا ما حسُنت إدارة الآراء المختلفة في إطار وحدة العمل. وإرتباطاً مع ذلك يلقي البعض باللائمة في تراجع الأداء الانتخابي، على تدني القدرات السياسية والفكرية لنشطاء اليسار، في ظل إيقاع سريع للحياة المعاصرة وبسبب تحول في مناهل المعرفة من ورقية إلى إلكترونية وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي وجراء ضراوة الصراع غير المتكافيء في عالم الإعلام مع العدو الإمبريالي.

ورغم صحة الآراء التي تدعو إلى مواجهة الأمر بتطوير القدرات الدعائية لليسار، فإن الأهم من ذلك في رأي البعض، ثقة اليساريين أنفسهم بقدرة أفكارهم وحركتهم، على منح البشر حياة أفضل، وأن تكون لهم معرفة نظرية وعملية تبرر هذه الثقة، كي يتمكنوا من إقناع الناس ببرامجهم. وهنا لا يكفي تكرار مقولات جاهزة، مهما كانت رائعة وثورية، ولا يكفي فضح مثالب اليمين، مهما كانت بشعة، بل لابد أن يتلمس الناخبون أولاً المكاسب التي سيحققها لهم فوز اليسار، في إشباع حاجاتهم المادية والروحية، قبل أن يحتشدوا خلف يافطاته ويصوتوا له.

وتعمد بعض الأحزاب اليسارية إلى تكوين مراكز خاصة لمتابعة قضايا البطالة والتضخم والأجور والاستهلاك والإنتاج وجودة الخدمات الأساسية والبيئة وغيرها، وذلك لتقديم الإستشارات الضرورية للحزب في كل هذه المجالات، مما يمكنه من وضع تصوراته المتناغمة مع حاجات الناس. ولا تختص هذه المتابعة بعموم البلاد فقط، بل تختص أيضاً بكل منطقة من مناطقها، كي يضع الحزب برامجه الانتخابية العامة التي تعنى بشؤون المجتمع بأسره، وبرامجه الانتخابية الخاصة بكل جزء من أجزاء البلاد المختلفة. ولا تعتمد هذه المتابعة على الإحصائيات الرسمية فقط، بل وتجري توثيقاً عملياً لها، عبر التعاون الميداني مع المنظمات القاعدية للحزب.

عرض مقالات: