علمتنا التجربة السياسية في العراق بعد ٢٠٠٣، ان عمر اي اتفاق بين القوى المتنفذة لا يتجاوز مدة جفاف حبر تواقيعهم على محاضر اجتماعاتهم.

وتبيّن المتابعة ان تحالف قوى الدولة غير مستثنى من هذا الاستنتاج، وان الاختلافات الحالية بشأن الميزانية ليست المؤشر الوحيد على عمق الخلافات داخله. فهناك جملة وقائع تبرهن ان كل طرف منهم ليس معنيا بغير مصالحه الشخصية والحزبية والفئوية، اما مصالح الشعب والحديث عن تأمينها والسهر عليها، فليس الا دعاية برعوا باستخدامها للتسويق الانتخابي وللاستهلاك المبتذل.

ولا يحتاج أحد الى جهد استثنائي ليكتشف ان تعليق اعمال اللجنة المالية لمجلس النواب، ليس له ادنى علاقة ببحث ابواب الموازنة من حيث التخصيصات للتنمية الاقتصادية ولتوفير فرص العمل ولا لتحسين الخدمات، ولا غير ذلك مما وعدوا بتحقيقه. على العكس من ذلك، نشهد بكل وضوح تقاسم المناصب عبر افضح ما جاء به نهج المحاصصة المدمر.

والملاحظ ان الخلافات العميقة بينهم لا تنحصر في اطار التحالفات التي تدعي زورا وبهتانا تمثيل ما أطلقوا عليه تسمية المكونات، وانما تتركز بالأساس بين القوى داخل التحالف الواحد.

فهناك خلاف كردي- كردي، وآخر سني- سني، وغير خافٍ الخلاف الشيعي -الشيعي، بل وصل الامر حد محاولة البعض وضع العراقيل امام الخطوات المحدودة التي شكلت اولى محاولات الحكومة لتنفيذ برنامجها، وكأنها ليست الحكومة التي سمى تحالف الاطار التنسيقي رئيسها، ووضع منهاجها بالاتفاق مع شركائه في الحكم.

ومهما بحثت فلن تجد لاطراف طغمة الحكم اتفاقا الا في مواجهة الحركة الاحتجاجية الجذرية، اثناء انتفاضها على الذل والحرمان والفساد ونقص الخدمات، حيث لم يدخروا خبرة في استخدام سياسة الترغيب والترهيب الا واستخدموها، من الخطاب الاعلامي الناعم مرورا بترديد شعارات المنتفضين، والقسم باغلظ الايمان على تحقيق مرادهم، فيما كانوا يوحدون المتنفذين في قبضة واحدة، لقمع كل حركة هدفها التغيير الجذري.

واذا كان ما ذكرناه اعلاه معروفا ومعلوما ويشكل العائق الاساسي امام تغيير الاوضاع، فان العائق الاكبر هو تشتت المناهضين لطغمة الحكم، ولنهجها المحاصصاتي وفسادها وطريقة ادارتها للحكم. حيث لا تزال الاحزاب والتنظيمات والاطر الاجتماعية والمهنية والنقابية المدنية، كذلك الشخصيات المستقلة مشتتةً، وبينها غير المستعد للعمل الجماعي اصلا. وكأن القوى التي تمتلك رؤية التغيير وبرنامجا واضحا للتنمية المستدامة، قد تنازلت عن دورها التاريخي في تخليص البلد والشعب من السياسات التدميرية لطغمة الحكم.

ويبقى القول ان لا تغيير متوقع الحدوث من دون وحدة القوى ذات مصلحة بالخلاص من الفساد والمحاصصة، القوى المتطلعة الى بناء نظام ديمقراطي حقيقي يستند على العدالة الاجتماعية.

عرض مقالات: