اخر الاخبار

منذ سنوات وأوراق اليساريين وفضاءات حواراتهم تعج بأسئلة كثيرة، عن القومية والحرية ودور الدين والقطاع الخاص واقتصاد السوق والملكية الخاصة والأممية وحماية البيئة ودور البروليتاريا والثورة. وأصبحت هذه الأسئلة أبرز محطات صراعهم مع المستغِلين وأزلامهم وأبواقهم. وإذا كانت معروفة أسلحة الصراع مع هؤلاء، لطول شوط هذا الصراع وتعدد أشكاله ومدياته، فإن الاختلافات بين اليساريين أنفسهم تبدو غير مألوفة، بعد عقود من القناعة بأن كتلة اليسار صلدة لا تخترقها الريبة. غير أن مايبقى يبعث على الأمل، قناعة راسخة لدى أغلب اليساريين اليوم، بأن إختلافاتهم وحتى “عراكهم” حول كل نقطة، تؤشر دوماً المسار الأصوب لتحقيق ما يرتجوه، وإن موقع اليسار في لوحة الوطن والسياسة، خط أحمر، لا يمكن تجاوزه مهما كانت التباينات، فيما يبقى ما دون ذلك ميداناً للبحث، يتطلب تمييزاً بين التعتيم على الأسئلة الفكرية وبين البحث عن سبل إدارة الصراع حولها في إطار من وحدة الإرادة والعمل.

وفي مقدمة نقاط الجدل اليوم تبرز قضية الطريق الذي يفضي الى الإشتراكية وعلاقتها بالديمقراطية، بين من يصّر على الصواب المطلق للتجربة التي بُنيت ووأدت، بكل مآثرها وأخطائها، وبين من يرى بأن الإشتراكية كخلاص من الإستغلال بكل أشكاله، وتحسين للظروف المعيشية والحياتية المختلفة، وتعبئة لكل الطاقات من أجل خدمة البشر، يجب بالضرورة أن تكون صنواً للديمقراطية، وأن يحقق تطورها المزيد من الحريات.

ويرى هؤلاء بإن الإتفاق على رؤية الاشتراكية كتغيير تدريجي وتجريبي للمجتمع في اتجاه أكثر ديمقراطية، يعني عدم وجود مجتمع رأسمالي خالص ولا مجتمع إشتراكي خالص، بل هناك مجتمع سائر نحو الإشتراكية، يستوعب مجموعة متنوعة من أشكال الملكية والعدالة الإجتماعية، معتقدين بأن عجلة تقدم هذا المجتمع يجب أن تبقى دائرة، وتحقق المزيد من الحرية والمساواة، إذ سيؤدي توقفها أو تباطؤ تطورها، الى وهن قوى الثورة وتحويل موازين القوى للقلة المستغِلة، مشددين على أن يكون مفتاح ذلك المزيد من الديمقراطية وصيانة الحريات وحقوق الأفراد، التي لايمكن هدرها، حتى إذا ما بُرر ذلك بالدفاع عن مصالح الجموع.

وفيما يتعلق بالنشاط السياسي اليومي، يعتقد بعض اليساريين اليوم بحاجة الأحزاب الإنتخابية، لمساحة ما للتقدم أو التراجع بعيداً - وإن بشكل نسبي - عن التفاصيل الفكرية، ربما لتحقق شيئاً من الجاذبية، أو لتوسع من دائرة مناصريها، مؤكدين على إهمية أن يدرك الجميع بأن الربط غير الدقيق بين الفكرة والفعل، يترك بالضرورة ذات الضرر الذي يتركه التمسك الدوغمائي بفكرة لا تزكيها الممارسة العملية.

ويشيرون الى أن الإكثار من الحديث عن التجديد، ينبغي أن يرتبط بإدراك حاجة اليسار، ليس الى التجديد في البرامج والخطط واساليب العمل فحسب، بل وأيضاً في القوة التنظيمية، فالسبب في ضعف القاعدة الجماهيرية لبعض أحزاب اليسار، ليست لأنها متمسكة بما يحلو للبعض تسميته بالماركسية “المحافظة”، بل بسبب عدم قدرة منظماتها على تجديد قوتها التنظيمية، بحيث تزيد نسبة الشباب في تكوينها، عن النصف.

كما يحتاج هذا اليسار الى حوار ثوري حول كل المسلمات النظرية، حوار يستند الى عدم وجود جبهات متعددة، الى رفض فكرة محافظين ومجددين، فليس هناك معنى ليساري يرى في نفسه محافظاً وليس هناك معنى لمجّدد لايرى في التراث النظري الهائل والعظيم مرشداً ومعلماً. ولهذا هناك بالتأكيد، ترابط جدلي بين تجديد الفكر وتجديد الجسد، متذكّرين بأن لينين ورفاقه كانوا بلا مسلمات فكرية وسياسية مسبقة. 

عرض مقالات: