اخر الاخبار

تكررت وتتكرر الآراء والمقترحات بخصوص وضع الحلول المناسبة للازمة الإدارية والخدمية التي تشهدها بغداد منذ سنوات، دون الوقوف على السبب الرئيس للأزمة، والذي على ضوئه يفترض أن توضع الحلول.

وتتمثل هذه الأزمة في الهجرة المعاكسة والمتواصلة من القرى والارياف الى المدينة، لدواع خدمية ومعيشية، ومنها الحصول على فرص عمل، بعد أن أصبحت سبل العيش شبه معدومة في المناطق الريفية جراء تدهور الواقعين المائي والزراعي.

وسببت هذه الهجرة خللاً ديموغرافياً وحالة من التكدس السكاني الهائل في العاصمة، يقابل ذلك تراجع حاد وخطير في عدد سكان القرى والأرياف، التي كانت تعد في السابق مصدرا للإنتاج الزراعي والحيواني والصناعات الشعبية. علما أن القرى والارياف والواحات وجميع المناطق النائية كانت سابقا تضم ما يقارب 70 في المائة من نفوس البلاد، لتنعكس الحالة اليوم مسببة جملة من المشكلات والصعوبات الإدارية والأزمات الخدمية. فبغداد اليوم تشهد فوضى عارمة في تطبيق القوانين، وصعوبات بالغة في توفير الخدمات وتأمين ديمومتها. الغريب في الامر نجد هناك من يقدم اقتراحات مبنية على أسس خاطئة لمعالجة الأزمة الإدارية والخدمية، معتمدا على فكرة “النمو السكاني” وليس “التكدس السكاني”. لذلك يكون من الصعوبة معالجة هذه الأزمة دون الوقوف أولا على سببها الرئيس، والمتمثل في فوضى التوزيع السكاني، وهذه هي أس البلاء!

ومن بين المقترحات غير المجدية التي يتداولها البعض لغرض معالجة الأزمة، والتي يبدو أنها لم تراعِ مشكلة التكدس السكاني، هو مقترح القطار المعلق، الذي على ما يبدو لن تتجاوز طاقته الاستيعابية أكثر من 500 راكب. فما قيمة ذلك أمام أكثر من 10 ملايين نسمة تسكن بغداد؟! كذلك هناك من يقترح فتح الطرق المغلقة وتوسيع الشوارع والأنفاق والجسور، وغير ذلك من المقترحات غير المجدية، والتي سيضيّع تنفيذها جهودا وأموالا كبيرة تكفي لبناء وإعمار مئات القرى والأرياف، ورفدها بمستلزمات الحياة والخدمات المطلوبة.

فلو جرى إحياء المناطق الريفية من مختلف النواحي الخدمية والمعيشية، سيعود إليها أهلها مجددا، وسيعاودون مزاولة مهنهم ونشاطاتهم المعهودة، وبالتالي سيصبح التوزيع السكاني سليما، وسيكون من السهل تقديم الخدمات وتأمين ديمومتها في المدينة والريف على حد سواء.