ونحن نعيش أيام العيد هذه ، اعود بذاكرتي الى ستينات واوائل سبعينات القرن المنصرم ، لأستعيد نكهة العيد الذي كنّا نعيشه بشكلٍ حقيقي رغم كل شيء ، حيث قريتنا الغافية عند تخوم البحر ، اذ كانت العوائل قبل العيد تهيئ بيوتها من تنظيف وترتيب الاثاث وتحضير البخور والكليجة والكعك والشرابت ، وفي طفولتنا وصبانا كنّا نطلب من أهلنا أن يشتروا لنا ملابس جديدة، نضعها في ليلة العيد تحت الفراش لتظلّ مكويّة ومرتّبة وما أن يبزغ الفجر حتى ننهض فرحين ، وبعد تناول (الريوك) نبدأ بمعايدة آبائنا وأمهاتنا واخوتنا واخواتنا أولاً ثم أقاربنا وبعد ذلك ندور على بيوت الجيران ، نجمع عيديّتنا لنتوجّه بها الى ساحة الالعاب، وفيها الدواليب التي نركب في صناديقها الخشبيّة ،اذ يكون الدولاب عبارة عن عمودين خشبيين بينهما صناديق مفتوحة الجانب أشبه بالكاروك مثبّته على محمل خشبي دائري الشكل  مربوط بحلقة حديدية يسمح لها بالدوران لترتفع الصناديق شيئاً فشيئاً ونحن نغنّي فرحين ، وبعضنا يكون خائفاً خشية السقوط. بعدها نركب العربات التي تجرّها الخيول، ونلعب (اللكو) وكذلك (الفرّارة) ونركب الحصان أو الحمار ، نأكل لفات الفلافل والعنبة والكص ونشرب العصاير ( الشربت فقط) والببسي، ونلعب حتى نأتي على آخر فلس في جيوبنا لنعود الى أهلنا مشياً عند غروب الشمس، أمّا آباؤنا بعد صلاة العيد يقومون بمعايدة البيوت بيتاً بيتاً وكذلك أمهاتنا بعد الظهر.

 في تلك ايام كانت الالفة والمحبّة والطيبة والتآزر في كل شيء ، والناس على سجيّتهم ،لا طائفية ولا محاصصة مقيتة، لا تفرقة ولا فساد يزكم الأرواح قبل الأنوف لمسؤولي صدفة يتفننون بسرقات قرن لا مثيل لها!

 رغم بساطة الناس كانوا على فطرتهم متحابين متآلفين دائماً ..

لم تخلُ الأيام من أزمات، لكنّها ليست كما الآن ابدا. العيد زمان كانت نكهته بمحبّة الناس لبعضهم.

وكل عام وأنتم بألف خير، وعيدكم مبارك وعساكم من عوّاده.

عرض مقالات: