اخر الاخبار

 للنص التشريعي منهجياته ومصادره ووسائطه باعتباره منتج لـ (صنعة فكرية) ترتقي الى مرتبة عليا من مراتب الانتاج الفكري وبأبعاد مختلفة تتعلق بصناعة وصياغة النص، وحيث انه كذلك فقد نظر اليه من قبل فقهاء وشراح القانون باعتباره منطلق لمنظورين: الاول -  قانوني المتضمن  البحث في منطوق النص من حيث فحواه ولفظه والاحكام التي جاء بها المعبر بأمانة عن ارادة الشعب بواسطة ممثليه.  والمنظور الثاني هو الصناعة الفكرية ذات الابعاد اللغوية والبنيوية والفنية له ركائزه وسياقات العمل فيه. وعلى وفق المنظورين المذكورين تاتي اهمية العملية التشريعية والصياغة القانونية التي كانت محلا للدراسات والبحوث والرسائل والاطاريح منذ العقود الاخيرة للقرن العشرين الى يومنا هذا فضلا عن انتشار مراكز التدريب والمراكز الجامعية ومؤسسات تشتغل على صياغة النص التشريعي لذا فقد اولت الدول الديمقراطية منها او التوتاليتارية موضوع العملية التشريعية اهتماما ملفتا باعتبارها التمثيل الفعلي للارادة السياسية.

من خلال مراجعتنا لمشروع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي المطروح حاليا لدى مجلس النواب  ومشاركتنا في الندوة التي عقدها مجلس النواب بمبادرة من  لجنة حقوق الانسان في المجلس المذكور المنعقدة  برئاسة  النائب الاول لمجلس النواب ( يوم 5 آذار 2023 )  وجدنا ان مشروع القانون يفتقد الى المنظورين المطلوبين للتشريع  وهما القانوني والصناعة الفكرية المشار اليهما اعلاه ، وبغية الوقوف على هذا العوز المهني في التشريع فسوف نتناول المنظور القانوني وبنقاط محددة على سبيل المثال اضافة الى الاشكالات المرتكبة من قبل كتبة المشروع على امل ان نتناول المنظور الثاني في مناسبة لاحقة :

اولا –  نصت  المادة  14 منه على : (تطبيق قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 في كل ما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون) ( المادة 14 منه ) هذا النص يعني ان واضع المشروع لم يلتفت الى ان هذا القانون يندرج تحت احكام ( القانون الخاص ) اي انه جاء استجابة لحركة المجتمع وتطوره وسيرورته فجاء بمضامين تتعلق بحرية التعبير والتظاهر السلمي لم ترد احكامها في قانون العقوبات الصادر منذ مدة تزيد على النصف قرن لانها لم تكن موجودة حينئذ وبالحجم الموجودة عليه في الوقت الحاضر ، هذا من جهة اما من جهة ثانية فان القوانين الخاصة المتضمنة لجوانب عقابية تخرج من عباءة قانون العقوبات بسبب فقدان الاخير للتغطية التشريعية للوقائع والاحدات المستجدة وهذا ما يفسر مغادرتها للجانب العقابي في قانون  العقوبات لتقادم نصوصه اولا ولتضمنها فلسفة عقابية تنسجم والقوانين الجديدة ثانيا  منها على سبيل المثال العقوبات الواردة في قانون مكافحة الارهاب وقانون العمل وقانون الاحوال الشخصية وقانون الكمارك وقانون الضريبة وقانون التجارة وسواها من القوانين الاخرى .

ثانيا – جاء في الفقرة اولا من المادة 13 من المشروع نص يعاقب مرتكب من يذيع عمدا دعاية للاعمال الارهابية وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على (10) العشر سنوات، في حين ان الدعاية للاعمال الارهابية تعد جريمة على وفق احكام قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 المادة الثانية منه وتكون عقوبتها الاعدام لذا يكون هذا المشروع قد ارتكب الخطأ القانوني المفضي الى ازدواج القوانين وباحكام عقابية مختلفة وتجعل القضاء في حيرة من امره في تطبيق اي من القانونين.

ثالثا – هذا المشروع نقل الفصل الثاني من الباب الثامن من قانون العقوبات الوارد تحت عنوان (الجرائم التي تمس الشعور الديني) والمعروفة لدى فقهاء القانون وشراحه باسم (ازدراء الاديان) وأدرجه ضمن احكام البند ثانيا من المادة 13 منه وابقى الفصل الثاني من الباب الثامن من قانون العقوبات على حاله وبذلك يكون المشروع قد اوجد لنا قانونين بذات النصوص ولكن بنظام عقابي مختلف مرتكبا ذات الخطأ الذي ارتكبه في الفقرة السابقة. هذا من جهة اما من جهة ثانية فان المس بالشعور الديني يتعلق باحكام العقيدة الواردة في المادة 42 من الدستور في حبن ان حرية التعبير والتظاهر السلمي موضوعها المادة 38 من الدستور لذا فلا مساغ قانوني لوجود احكان العقيدة في هذا المشروع لاختلاف الموضوع.

رابعا – (اذا رفض رئيس الوحدة الادارية طلب عقد الاجتماع العام، فلرئيس اللجنة المنظمة للاجتماع ان يطعن بقرار الرفض امام محكمة البداءة المختصة ...). هذا النص تضمنه البند ثالثا من المادة 7 من المشروع وفات على كتبة المشروع ان الاختصاص الوظيفي لمحاكم البداءة هوالمسؤولية المدنية بشقيها العقدي والتقصيري فضلا عن المعاملات المالية وان الطعن بالقرارات الادارية يخرج عن اختصاصها وكان حريّ بالمشروع ان يحيل الطعن الى المحكمة الادارية لان الطعن بالقرارات الادارية يدخل ضمن الاختصاص الوظيفي لهذه المحاكم.

عليه فان كتبة المشروع وبالصيغة هذه لم يبلغوا سن الرشد التشريعي بعد لعدم امتلاكمهم المؤهلات المطلوبة للعملية الشريعة وبالنتيجة فان مشروعهم لا يصلح للتشريع.

عرض مقالات: