اخر الاخبار

تعصف بالنظام السياسي العراقي أزمات جمة، ازمة تتداخل مع الأخرى، ومن بين أخطرها ازمة السيادة، التي اصبح البحث فيها من الجذور حتى التداعيات ضروريا وملحا وغير قابل للتأجيل، خاصة بعد ان توفرت للسياسيين العراقيين مادة تعينهم على ذلك. 

وكتاب(ازمة العراق سياديا) الذي أعده الدكتور إبراهيم بحر العلوم، يعد الوثيقة العملية الأولى الصادرة في العراق، حيث لم يقتصر في صفحاته التي بلغت ٦٨٢ على البحث الاكاديمي لمفهوم السيادة، وهو المطلوب لكي يمكن فهم السيادة علميا، بعيدا عن التسطيح الذي رافق معالجة أزمات النظام. حيث يتناول تجربة الحكم للفترة من ٢٠٠٤ الى٢٠٢٠ ليس من وجهة نظر حكامه، الذين تصدروا الحسم التنفيذي والتشريعي وحسب. فقد أسهمت فيه نخبة من السياسيين والاكاديميين العراقيين من مختلف المشارب والمدارس الفكرية. وقد يبدو ان العراق بلد نال استقلاله وحقق سيادته على ارضه، بغض النظر عن الجدل الذي لم يحسم حول التاريخ الرسمي لذلك. كذلك كونه يتمتع بالاعتراف الدولي كبلد مستقل، ويتمتع بعضوية الأمم المتحدة وعدد آخر غير قليل من المنظمات الدولية والإقليمية.

لكن الخلاصة أعلاه تتبدد حالما ننظر الى حجم التدخلات الدولية والإقليمية التي لم تعد خافية، والى صراع الارادات الخارجية في العراق وعلى موارد العراق وامكانياته، الصراع الذي غدا تحكمه في صنع القرار العراقي مكشوفا بشكله المباشر او بامتدادات تأثيره غير المباشرة. 

 

ولا نحتاج الى ادلة على التدخل، ولا برهان على التأثير، الذي وصل حد افراغ الاستقلال من محتواه، ونزع السيادة من أسسها الواجبة. واذا عدنا الى خلاصة ان السياسة الخارجية هي امتداد للسياسية الداخلية، يبدأ الحديث عن هشاشة سياستنا الداخلية والارتجال في ادارتها، والعشوائية في تنفيذها، وإدارتها الازمات بطريقة ( الفزعة). ولا يبدو ان اطلاق المفاهيم التي تشير الى هشاشة الدولة وهوانها، مثل الدولة الفاشلة والدولة العميقة واللادولة، قد جاء اعتباطا، بل هو نتيجة منطقية لضعف الدولة، بعد تغوّل الفساد في مؤسساتها، بحيث نخر هياكلها، كذلك العنف والتطرف السائدان، والسلاح المنفلت والمليشيات المتحكمة بالاوضاع الأمنية.

كل هذا وغيره جعل التدخل السافر يعبث بالاستقرار، ويتحكم بتوازن القوى. وليس افضح من التدخل الخارجي في الانتخابات، حتى صارت كأنها انتخابات دولية واقليمية لتنظيم مصالح تلك الدول على حساب العراق ومصالح شعبه. 

وليس تندرا ان ينظر المواطن الى المتنفذين نظرته الى من يحرصون على تمثيل مصالح الدول الأخرى في العراق، وليس العكس كما هو المفروض. حيث تتجلى السيادة في أية دولة من الدول عبر مظهر داخلي وآخر خارجي، وحين نشير الى المظهر الداخلي بكل التشويهات التي مر ذكرها، واهمها عدم قدرة الحكومة على بسط سلطتها على المليشيات، وعجز إجراءاتها عن ان تمس الفاسدين والخارجين عن القانون وزعماء المليشيات، وإذ يرصد المواطن ضعف الحكومة في تطبيق القوانين، ويلاحظ الوضع المعيشي المزري، وتصاعد نسبة الفقر، فيما تعبث طغمة الحكم بمقدراته، وينهب حيتان الفساد موارده.. عندها عن أي سيادة يمكن الحديث.

اما الفصل المنسي في مبحث السيادة، فهو فصل العدالة الاجتماعية. فبغياب العدالة الاجتماعية يغيب الاستقرار، ويتصاعد الشعور بالظلم، والتشكي من عدم المساواة، ويتجسد الاغتراب. 

ويتمظهر الصراع الاجتماعي الذي لا يمكن اخفاؤه، في اشكال مختلفة، ابرزها الاحتجاجات الشعبية الهادفة، من اجل تحسين الأوضاع المعيشية وردم الهوة بين الاغنياء والمعدمين، وتقليص الفجوة التي تتسع لتغدو فلكية بين فئة استأثرت بالسلطة والمال والنفوذ، مقابل ملايين المحرومين.

 اذا كان الصراع الاجتماعي ذو التكلفة العالية في الأرواح والممتلكات - وهنا لابد من استذكار شهداء الانتفاضة - هو الفصل المفقود في مبحث السيادة، فالأمر يتطلب مواصلة البحث واستكماله. 

فموضوع السيادة لا ينتهي بكتاب، بل ان الكتاب هو ما جعل باب النقاش مفتوحا. 

عرض مقالات: