اخر الاخبار

ذات ليلة شاهدتُ فيلماً أجنبياً جعلتني قصّته أرِقاً طوال الليل. 

يتحدّث الفيلم عن أستاذ جامعي، يدرّس مادّة اجتماعية إنسانية بحتة ، وكان بين طلبة الجامعة ابنه البكر. وذات يوم وبعد إجرائه اختباراً للطلبة قدّم استقالته من الكليّة ، وذهب إلى بيته ليطلق النار على نفسه منتحراً. 

تركت هذه الحادثة ردود فعل كثيرة لدى الأساتذة والطلّاب وتأويلات شتّى ، لكنهم قبل نهاية الفيلم اكتشفوا أن الأستاذ كان قد أعدَّ أسئلة للاختبار المذكور، ثم أحسّ أن ابنه قام بتصوير ورقة الأسئلة وإرسالها إلى أصحابه. حينها ودون أن يعرف الابن طبعا، قام بتغيير الأسئلة ليفاجئ ابنه وأصدقاءه دون أن يكلّمهم ، ودون ان  يستطيعوا هم البوح بفعلتهم. لكنّه ترك رسالة يقول فيها : للأسف لم أكن أميناً في تربية ابني !

تذكّرت حكاية الفيلم ونحن نعيش هذه الأيام أزمة جديدة بسبب تسرّب أسئلة الامتحان الوزاري للدراسة المتوسطة، بما لها وما عليها من كلام وتأويلات وحكايات في الشارع، والأسواق، وأماكن العمل وغيرها، وكيف اشتعلت مواقع التواصل بها دون أدنى رد فعل من أي مسؤول للأسف!

هذه الأزمة مثل عشرات غيرها ما نزال نعيشها كل لحظة، كوننا نظلّ نلوك الحكاية متناسين أسبابها ومسببيها، لكننا نعرف جيدا ان كل الذي حدث ويحدث سببه الفساد والمحاصصة التي شرعنته وسوء إدارة البلاد، اضافة الى المطامع الشخصية والفئوية وعدم الانتماء الحقيقي للناس والوطن!

أستاذ جامعي يقدّم استقالته من العمل والحياة بسبب سوء فعل ابنه في فيلم قد تكون حكايته حقيقية أو خيالية. فهل استقال عندنا مسؤول ما في أي صفة كانت بسبب واحدة من أزماتنا المتلاحقة والمتزايدة ؟! الجواب: لا طبعاً!

كم من وزير ورئيس وزراء ومسؤول أجنبي سمعنا ونسمع انه قدّم استقالته أو انتحر بسبب خطأ بسيط ، قد يكون غير مقصود أو ان المسبب بعيد كل البعد عن هذا الوزير أو ذاك المسؤول ؟! لكن هل سمعنا وزيراً أو مسؤولاً عراقياً فعل ذلك، لا طبعاً لأن المناصب تأتي بالمحاصصة أو البيع بالمزاد للأسف، ومن يشتري منصباً لن يفرّط به حتماً مهما كانت الأفعال والنتائج!

الحكايات كثيرة، والغصّة في البلعوم أكبر، والصرخة التي ننتظرها لتخرس هؤلاء الفاسدين المتلاعبين بمصائر وأقدار الناس، الذين أشاعوا الخراب والدمار والفوضى في كل مفصل من مفاصل البلاد، آتية لا ريب فيها، رغم أن الشباب المنتفضين حينما خرجوا يبحثون عن وطن خال من هؤلاء المتشبثين بالكراسي رغم عفونة فسادهم التي زكمت الأنوف، قوبلوا بالرصاص الحي ومسيّل الدموع وغيرها من أعمال العنف التي يندى لها جبين الإنسانية !

الحقيقة أقول: إذا فسد التعليم، فسد كل شيء، وبات الغش والكذب والأنانية والمحسوبية والرشوة وغيرها، هي الخصال السائدة!

عرض مقالات: