اخر الاخبار

قد تبدو حالة كاركاتيرية، رغم أن المناسبة حزينة، حين ظهر ذات مرة نعي على الفيس بوك، وفيه تخطيط لامرأة مغطاة الوجه وكتب تحته: رحلت الفقيدة... أي أن وجه الراحلة يظل محجوبا وتحرم رؤيته حتى في الصور أو التخطيط، وتعكس هذه الحالة مثل الحالات الأخرى المسكوت عنها، جزءا، من وضع المرأة في مجتمعاتنا البطرياركية أو البطارقية أي النظام المعتمد على سلطة الأب، حيث تكون المرأة خاضعة للتمييز الجنسي، ويجري وصفها بأنها عورة وأنها بلا روح، وأنها وجدت للغواية فقط، وغير ذلك.

ورغم أن النساء وأخص العراقيات، برزن في مجالات مختلفة في العلوم والفنون والآداب والصحافة والبحوث والعمل العام في الحقول والمصانع والمدارس والجامعات والدوائر والنضال السياسي وغيرها، وقدمن تضحيات وقرابين لا تصدق على مذبح الحرية، إلا أن النظرة إليهن، مازالت هي هي، وخصوصا في السنوات الأخيرة مع سيطرة ثقافة التجهيل وازدياد تخلف مستويات الوعي بسبب المد الرجعي الطاغي في الحياة، والعودة إلى القيم البالية التي هيمنت بقوة وبسرعة، رغم أن العراق كاد أن يخرج منها.

المسكوت عنه في (الثقافة الذكورية السائدة) إن صح التعبير، كثير جدا، وهو يعكس الحالة المدمرة التي شلت وتشل حركة النساء، وتجعلهن حبيسات البيت أو الفكر المتخلف الذي يرى أنها كائن معوق يجب أن يوضع تحت الرعاية أو الوصاية، أو جسد للمتعة الحسية وحتى للممارسة السادية كما يقول أحد الشعراء العرب المشهورين.

فصلت من جلد النساء عباءة

وبنيت أهراما من الحلمات

 وتعمل الطغم الحاكمة وحواضنها الفكرية على وضع النساء في أسر العبودية، فليس من مصلحتها أن تجد المرأة نفسها كيانا حرا مستقلا، وتوظف بذلك إمبراطورية وسائل إعلامها وسيطرتها على مصادر القرار وسن القوانين، لتكريس الكراهية في المجتمع وإثارة النعرات الطائفية ودعم الإنتماء للهويات الفرعية، في ظل غياب دور الدولة والإجراءات الرادعة لها، حيث تكون الفئات المهمشة والضعيفة ومنها النساء الضحية الأولى لهذا العسف، إذ تعاني النساء من جرائم القتل لما يسمى (غسل العار) وقلة الردع وبساطة الأحكام بحق الجرائم التي ترتكب.

 ومعروف أن هذه الجرائم ترتكب لأبسط الإسباب، وتكون أكثر دوافعها الروح السادية المتحكمة عند البعض أو الإستغلال بمختلف جوانبه. وكان نظام صدام حسين المقبور، سمح للرجل في تعديل لقانون العقوبات البغدادي، قتل إحدى عشرة امرأة (غسلا للعار) وبدون مساءلة قانونية، إذا تمكن من تنفيذ جريمته بكتمان ومن دون أن يترك آثارا جانبية، وهن: زوجته، أمه، وأخته، وعمته، وخالته، وابنة عمه، وابنة خاله، وابنة أخيه، وابنة أخته، وابنة عمته، وابنة خالته. 

وسمح هذا الإجراء في زيادة حالات الإعدام خارج نطاق القانون، لكونه أعطى للرجل الحق أن يقتل أي امرأة من النساء القريبات له كي يستولي على أملاكها أو لتصفية الحساب معها، بحجة غسل العار.

  ومن المضحكات المبكيات أن صدام ذهب وبقيت قوانين حكمه التعسفية في الكثير من التشريعات سارية بدون مراجعة أو تعديل.

 وهناك في الوقت الحاضر، محاولات لتعديل قانون الأحوال الشخصية، ليس بهدف تحسينه، بل لجعله أكثر سوءا، لتكريس غياب حقوق المرأة، وبموازاة ذلك، تدعم مافيات الفساد الرذيلة بأشكال مختلفة والهدف استغلال حاجات بعض النساء للمال وتحقيق رغبات الرجال في علاقات محرمة في إطار شرعي.

 إن الكثير من المسكوت  عنه يحدث يوميا، ومازال يهدر كرامة النساء من مثل: الإغتصاب المعلن والخفي، وتعدد الزوجات، وإبتزازات النساء من أجل الحصول على الوظيفة أو لقمة العيش، وترك آلاف الأرامل ومنهن أرامل الشهداء والمغيبين بلا معيل، وفرض العمل عليهن في ظروف لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية والسلامة المهنية مع أجور قليلة كحالة عاملات الطابوق، والسكوت عن تفشي الأمية بين صفوفهن، واضطرار بعضهن إلى ترك المقاعد الدراسية مبكرا، وهن بلا خبرة في الحياة وليس هناك ما يعتمدن عليه لمعيشتهن، ويجري بيعهن وشراؤهن في سوق النخاسة من قبل العائلة بصفقات سريعة (زيجات حسب المتوفر، بالضد من رغبة المرأة دائما، ودون معرفة من هو الرجل)  لتنتهي دائما بالطلاق، وتشهد المحاكم كثرة  حالات الطلاق بشكل ملحوظ، وما أكثر الشابات الصغيرات اللواتي أصبحن أمهات وهن لم  يفارقن سن المراهقة واللعب، وقد خرجن من قمقم (الزوجية) وجروحهن الروحية  من الشتائم والإذلال  أكثر بكثير من الآلام الجسدية نتيجة الضرب والتعذيب الذي يصل حد التشويه والقتل.

 إن أحوال المرأة لا تسر، وهي تعيش اضطهادا ومعاناة مزدوجين، فهي بالإضافة إلى معاناتها، تتأثر حالتها بما يعانيه شعبنا عموما من تعثر الديمقراطية السياسية والإجتماعية وقلة الخدمات وإتساع السلاح المنفلت، وتغول الفساد وقواه، وتعمق حالات الفقر والبطالة وغيرها.

إن مناسبة عيد المرأة هو ضرورة لتجديد الدعوة للتضامن والنشاط لمكافحة الإرهاب المعلن والمستتر ضدهن. فكيف ينهض مجتمعنا ونصفه مكسور الجناح؟ إن إنصاف المرأة، يتطلب توفير الإمكانيات كي يزدهر وضعها، لاننا نريد أمهات حرات وليس عبدات يعشن تحت وطأة القهر، فلا يمكن أن تنمو الحرية في روح المجتمع وتتسع من دون أن يكون المربي حرا.

 

عرض مقالات: