اخر الاخبار

يشيع في السياسة مصطلح “سنة البطة العرجاء” و”حكومة البطة العرجاء” ، في اشارة الى الافراد كما الى الحكومات والمؤسسات، حين تعجز لاسباب مختلفة عن إنجاز شيء.

وهو في بريطانيا يستخدم في تأشير الشخص العاجز عن أداء أي عمل وغير الكفؤ، كذلك يطلق على من يعلن افلاسه في البورصة. وقد استُخدم ايضا في وصف حال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في السنة الرابعة من ولايته، التي بدا فيها مترددا في اتخاذ خطوات حاسمة وعميقة.

في حالتنا العراقية ومنذ ٢٠٠٣ مررنا بكل اشكال وتجليات “البطة العرجاء”، وتلمسنا ما للمصطلح من دلالات ومعانٍ.

ونحن نشير الى ذلك هنا فيما الصراع يتواصل على قدم وساق حول تشكيل الكتلة الأكبر، التي تحولت الى عبء كبير على المشهد السياسي العراقي منذ تفسير المحكمة الاتحادية لها سنة ٢٠١٠. وقد وجد هذا تطبيقه فورا في حرمان القائمة العراقية من تشكيل الحكومة، رغم حصولها في الانتخابات آنذاك على أعلى المقاعد في مجلس النواب.

 ومن يدري.. لعل تلك القائمة كانت ستفلح، لو ان الفرصة اتيحت لها آنذاك بتلاوينها المتعددة، في تجاوز حالة الاستعصاء والتخندق المكوناتي، وتشكيل الحكومات لاحقا.

وهذا في رأينا لا يتعارض مع التنوع في تشكيل الحكومات اذا ما اعتمدت الكفاءة والقدرة والنزاهة، وتبنت برامج واقعية قابلة للتنفيذ مع امكانية قياس إنجازها والحكم عليه.

لكن الذي جرى كان غير هذا تماما، حيث اعتُمدت “المحاصصة الطائفية والقومية” التي اختُزلت بدورها  في كيانات سياسية زعم الزاعمون انها تمثلها، ثم جرى تضييق هذه ايضا لتقتصر في الغالب على مجرد افراد وعوائلهم. وذلك ما تعكسه الهوة السحيقة الصارخة، التي تفصل الغالب الاعم من أبناء هذه المكونات المحرومين، عن قلتهم القليلة المتنعمة والمرفهة.

وهذا أيضا ما عكسته نتائج انتخابات تشرين ٢٠٢١، وما تجسد في التراجع الكبير لأصوات المتنفذين جميعا. وسبق ذلك ان تردد حتى بعض الرموز في الترشح، خوفا من عدم الفوز، او تحقيق فوز هزيل مقارنة بما كانت تحصل عليه في السابق. 

هذه المعطيات جميعا وغيرها، لا بد ان تكون حاضرة في ماراثون تشكيل الحكومة الجديدة، وما فرضته انتفاضة تشرين من واقع جديد، يؤكد بشكل واضح وصريح حقيقة ان بقاء الحال من المحال، وان  الأمور لن تعود الى ما كانت عليه.

نعم، يستطيع المتنفذون تجاوز هذا كله وتشكيل حكومة على هواهم وبما يديم محاصصاتهم ونفوذهم وسطوتهم، وبما يمكنهم من مواصلة قضم مؤسسات الدولة و”احتلالها” وفرض غير الكفوئين والفاشلين. لكن النتيجة واضحة جلية منذ الآن، ولن تكون سوى “حكومة البطة العرجاء” ومحصلتها المتمثلة في المزيد من التدهور والتمايز، وفي غنى الأغنياء وبؤس الفقراء، ودفع مجاميع بشرية كبرى اضافية الى الفقر المدقع.  الفقر الساحق الذي يتزايد القلق من ارتفاع نسبه، نظرا لمحدودية الاستثمار وعزوف الحكومة ومؤسساتها عن تنمية القطاعات الإنتاجية. والنتيجة هي استمرار تدهور الاقتصاد الوطني وبقائه معتمدا على عائدات النفط المتذبذبة في مستوياتها، فيما هو يواجه خطر الجفاف المحدق الذي لا يهدد زراعة البلد فقط، بل حتى توفير الكفاية من الماء الصالح للشرب. وتذهب سدى الصيحات التي تطلقها جهات وطنية عراقية واوساط اجنبية، تحذيرا من قرب وقوع كارثة حقيقية.

ونشهد اليوم انطلاق حركات احتجاجية متنوعة، بضمنها المطالَب بفرص العمل والتوظيف وتوفير الخدمات، والساخط على هذا المسؤول او ذاك، في هذه المحافظة او تلك.

 لكن المواطنين يبقون في كل الاحوال ينتظرون بصبر فارغ رؤية الحكومة الجديدة تتشكل، ومعرفة طبيعتها وبرنامجها ومدى استجابته لمطالبهم وتطلعاتهم. في حين لا يستطيع احد التنبؤ بمدى وسعة رد الفعل الشعبي، اذا ما سارت الأمور في غير هذا الاتجاه، وبعكس ما تريده غالبية العراقيين.

وهذا ما يتوجب عدم اسقاطه من الحسابات الآنية والمستقبلية، فالمتوقع هو ان يرتفع جدار شاهق من الرفض والتصدي لأية حكومة عرجاء، يفرضها منطق المحاصصة المتهاوي ومن يتشبثون به.

عرض مقالات: