اخر الاخبار

من المفترض ان تكون الموازنات الاتحادية السنوية، تعبيرا مكثفا عن الخطط الاستراتيجية التنموية التي تستهدف على مدى أربع سنوات تحقيق نمو متصاعد في الاقتصاد الوطني ومعالجة الازمات الاجتماعية المتراكمة وخاصة بعد عام 2003 التي حولت لسوء ادارتها وضعف سياستها الاقتصادية والمالية المجتمع العراقي إلى طبقات وشرائح اجتماعية متفاوتة بشكل صارخ في مستويات دخلها.

   ولتوضيح  التخبط في تلك الموازنات وبالرغم من ضخامة الأموال المخصصة لها والتي وصلت إلى اكثر من 1520 تريليون دينار أوصلت المجتمع إلى هذا المستوى الكبير من الفقر والتفاوت الطبقي كونها تتمثل بالعديد من السمات المرضية  نذكر منها  اولا – التصاعد المتنامي في حجم التخصيصات المالية يصاحبها انخفاض في حصيلة المنجزات التنموية فعلى سبيل المثال كان حجم التخصيصات في موازنة 2004 بحدود 20 تريليون دينار وصلت في عام 2013 إلى ما يقرب من  138 تريليون دينار بسبب ارتفاع سعر البرميل من النفط  إلى 120 دولار  مما يشير اساسا  إلى ارتباطها بأسعار النفط، وثانيا - غياب فكرة توظيف الفوائض المالية في عمليات التنمية الاقتصادية في القطاعات الانتاجية عبر الموازنات الاستثمارية بهدف تنويع مصادر الدخل والثروة في ظل التوسع المالي غير المنضبط بغض النظر عن المردود الاقتصادي والايرادات المتأتية من النفط، وثالثا - التركيز في الموازنات على مفهوم العجز الافتراضي المخطط بما يقود إلى اتساع حجم التخصيصات المالية بشكل يفوق كثيرا حجم الايرادات المخططة، ما يشجع في كل موازنة إلى التوسع في الاقتراض اعتمادا على ارتفاع أسعار النفط دون حساب لتكاليفها خدماتها اللاحقة حتى وصل مجموع العجز للفترة بين عامي 2004 و 2019 إلى 259 تريليون  رغم عدم وجود عجز فعلي  باستثناء سنوات قليلة، ورابعا - اتساع نطاق النفقات التشغيلية التي تستحوذ على الجزء الاعظم من التخصيصات ففقرات الرواتب والاجور تشكل القسم الأعظم بسبب الفوضى في التعيين لأسباب سياسية دون وجود الحاجة في جهاز الدولة ومن ثم تحولها إلى بطالة مقنعة، بالإضافة إلى الانفاق غير الرشيد في فقرات أخرى من الانفاق،  وخامسا-  طغيان فلسفة موازنات الرقابة والبنود بعيدا عن موازنات البرامج فضلا عن خلوها  من الحسابات الختامية  وهي مخالفة دستورية تستلزم مساءلة الحكومة   والحجة الباهتة التي يتدرع بها مصممو الموازنات تحميلها على الوحدات الحسابية  في جهاز الدولة الاداري وكأنها عالم بلا رقابة.

   وللتدليل أكثر عل خطل تلك الموازنات ما حصل في موازنة 2021 من خلال التباهي في تعاظم الاحتياطي النقدي الناجم عن الزيادة في اسعار النفط أولاـ وثانيا في فشل الاداء الحكومي في صرف تخصيصات الموازنة، فقد اثبتت بيانات الموازنة المتوافرة أن نسبة تنفيذ هذه الموازنة حسب المصروف الفعلي لغاية تشرين الأول وصلت إلى 59 في المائة، فيما بلغت نسبة تنفيذ الموازنة الاستثمارية إلى 34 في المائة اي ان مجموع المصروف الكلي خلال هذه الفترة بلغ 76 تريليون  وان التخصيصات للموازنة الاستثمارية كانت 29 تريليون، غير أن المصروف الفعلي وصل إلى 10 تريليون دينار تقريبا بالرغم من وجود 755 مشروعا لم تتجاوز نسبة الانجاز فيها 20 في المائة، وان عدد المشاريع المتلكئة 359 مشروعا،  بما يعني أن 63 تريليون دينار لتلك الفترة لم يجر انفاقه، فان لم يتم التصرف به لصالح عملية التنمية وتحسين الخدمات وتحسين  معيشة فقراء الشعب فإنها ستذهب بشكل من الاشكال إلى جيوب الفاسدين  لهذا ينبغي تدويرها على موازنة 2022 .

  ان مراجعة لأية موازنة تعتزم الحكومة اعدادها في العام القادم لابد ان تأخذ في الاعتبار تغيير فلسفتها على ان تكون موازنة برامج وليست بنود وان تتخلص بدون تردد من كافة الامراض الني صاحبتها ومن أشدها تدميرا الفساد في العقود الحكومية والهدر المالي من خلال المبالغة غير المنطقية في حجم الانفاق الكلي العام مما يتطلب تنظيف الجهاز الحكومي من الفاسدين والفاشلين واعادة البنية الاقتصادية على اساس واقعي بعيدا عن السفسطة التنظيرية غير المنتجة.

عرض مقالات: