اخر الاخبار

يأخذ التضخم كظاهرة اقتصادية طائفة من التعريفات بحسب أسبابه أو العوامل الاقتصادية المؤثرة فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومنها كونه تعبيرا عن حالة الارتفاع المستمر في الأسعار يقابله انخفاض في القوة الشرائية لوحدة النقد، أو هو انعكاس لعدم التوازن بين التدفقات النقدية وتدفقات السلع والخدمات في السوق.  وفي العراق تعددت مفاهيم التضخم بحسب الظروف الاقتصادية في البلاد ففي التسعينات من القرن الماضي كان يطلق عليه بالتضخم الزاحف أما بعد عام 2003 فيسمى بالتضخم التراكمي.

  ومن البديهي أن ارتفاع معدلات التضخم تتأثر بجملة من العوامل يقف في مقدمتها ضعف مرونة الجهاز الانتاجي وعجزه عن توفير السلع والخدمات وتغطية الطلب الكلي وخاصة السلع الاستهلاكية التي غالبا ما تقوم وزارة التخطيط بحساب معدلات التضخم، واعتماد هذا الجهاز على أساس انتاج النفط الخام كسلعة معدة للتصدير يصاحبه ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك من خلال التوسع في الطلب والتكاليف لتتسبب في ارتفاع المستويات العالية في التضخم. فعلى سبيل المثال فان التضخم حسب احصاءات وزارة التخطيط قد ازداد بين شهر آب عام 2020 وآب عام 2021 بنسبة 8،1 في المائة. وشملت هذه الزيادات العديد من سلع الاستهلاك كالأغذية والمشروبات غير الكحولية والخضراوات والفواكه واللحوم والحبوب والأسماك وازدادت بشكل ضاغط أسعار الطحين التي تنعكس على أسعار الخبز مما أثار احتجاجات أصحاب المخابز والأفران وانعكس على حياة الناس المعيشية.

وحسب توقعات البنك الدولي في تقريره في شهر أيار 2021 فإن المستوى العام للأسعار يرتفع نتيجة لتفشي وباء كورونا على مستوى امدادات السلع إضافة إلى آثار التغيرات في أسعار السلع المستوردة المتأثرة برفع قيمة الدولار يقابله فضلا عن نقلها للتضخم في اقتصاد بلد المنشأ لا سيما وأن العراق يعتمد بشكل كبير على الاستيراد الخارجي وحسب تقرير البنك نفسه فان المتوقع أن يرتفع التضخم في عام 2022 بنسبة 3،1 في المائة.

واذا ما أخذنا بعين الاعتبار المسوحات التي تجريها وزارة التخطيط وتوقعات البنك الدولي إضافة إلى مفاعيل الفجوة الكبيرة في توزيع الدخل والثروة التي تتسم بالانحياز غير العادل لصالح الشرائح العليا في المجتمع المتمثلة بطبقة الكامبرادور من تجار البضائع وتجار العقارات وبيروقراطيي الدرجات العليا في الجهاز الحكومي والشرائح الطفيلية، لتوصلنا إلى حقيقة ملموسة مفادها التدهور المعيشي المتعاظم لقطاعات واسعة من المجتمع التي تشمل ذوي الدخل المحدود والمتقاعدين التي انخفضت القيمة الشرائية لرواتبهم بسبب انخفاض قيمة الدينار والمعدلات المتزايدة في التضخم والضرائب غير المباشرة، يضاف لهذه الشريحة الواسعة شريحة الفقراء المحرومة من الدخول الثابتة الذين يقعون تحت خط الفقر ويقدر عددهم حسب التقديرات ب 13 مليون نسمة يبحثون بأظافرهم في الصخر من أجل البقاء على قيد الحياة  وهؤلاء جميعا يشكلون السواد الاعظم في المجتمع. 

  إن الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه مما تقدم أن التضخم يرتبط قبل أي شيء آخر بالسياستين النقدية والمالية فكل منهما يتحمل مخططوها المسؤولية في ارتفاع معدلات التضخم، فان السياسة النقدية تجسدت في اقدام البنك المركزي على رفع قيمة الدولار لحجج ومبررات غير مقنعة، أما السياسة المالية فوجدت تعبيرها في المبالغة في الانفاق العام في الموازنات السنوية الذي يتعرض إضافة إلى موازنة تشغيلية مضخمة إلى الهدر في شكل هذا الانفاق واسلوبه ووجهته.

لهذه الاسباب مجتمعة فان المعالجات ينبغي أن تتجه لتخفيض نسبة الموازنات التشغيلية إلى مجموع الانفاق وزيادة تخصيصات الموازنات الرأسمالية والضغط على رواتب الدرجات العليا في الجهاز الحكومي التي تشكل 40 في المائة من مجموع الرواتب، والبحث عن مصادر مالية خارج قطاع النفط وتفعيل الجهاز الانتاجي وجعله يتصف بالمرونة التي تهيء البديل الملموس لحجم السلع والخدمات المستوردة من الخارج وإعادة سعر صرف الدينار العراقي إلى سابق عهده  وإعادة النظر بالأسس الإدارية والتنظيمية لجهاز ضريبة الدخل عبر الحد من التهرب الضريبي والسيطرة على الوعاء الضريبي والتقليل من الاعفاءات الضريبية.

عرض مقالات: