تُعَدُّ الإشاراتُ الضوئيةُ المروريةُ رمزًا للتطور الحضري، وعلامةً على انضباط حركة السير، عرفها العالم لأول مرة عام 1868 في لندن، بينما دخلت العراق متأخرةً نسبيًا، لكنها أصبحت جزءًا من مشهد مدنه الكبرى. اليوم، وبعد أكثر من عقدين من التدهور، لا تزال إعادة تفعيلها تمثل مطلبا ضروريا يترقب المواطنون تنفيذه بفارغ الصبر.
وكانت الإشارات الضوئية في بداية ظهورها، وسيلة لتنظيم حركة القطارات، بعدها تطورت وأصبحت جزءًا أساسيًا من شوارع المدن الحديثة. وقد عرف العراق تلك الإشارات في عقود سابقة، لكنها تحولت بعد عام 2003 إلى مجرد أعمدة صامتة في معظم المناطق، بسبب تدهور البنية التحتية وغياب الصيانة. وفي الوقت الذي تعتمد فيه المحافظات الغربية، وحتى بعض مناطق ببغداد، على أنظمة مرور ذكية، لا يزال العراقيون يعانون فوضى المرور، رغم تصريحات المسؤولين المتكررة في هذا الشأن.
في كانون الثاني 2024، أعلن مدير المرور العام أن نهاية السنة ستشهد تفعيل الإشارات الضوئية، في محاولة لتقليل الازدحام والحوادث. وفي البصرة، وبينما أُنيطت مهمة تفعيل الإشارات إلى بلدية المحافظة، بقيت عملية التنسيق بين الجهات المعنية (المرور، البلديات، وزارة الكهرباء) عقبةً رئيسة، ما يطرح تساؤلات عن جدوى الوعود دون آلية تنفيذ واضحة!
وبالنسبة لأسباب تأخر تفعيل تلك الإشارات، نعتقد انها تتمثل في:
* إشكالية الإرث القديم: كثير من الأنظمة القائمة تعود لتكنولوجيا عفا عليها الزمن، وتحتاج استبدالًا كاملًا.
* تشرذم الإدارة: غياب التنسيق بين الجهات المعنية يعيق إتمام المشاريع، كما في حالة البصرة التي تنتظر تحركًا من بلديتها.
* غياب الأولوية: رغم أهمية الإشارات في إنقاذ الأرواح، تظل قضايا أخرى تتصدر أجندة الحكومات المحلية.
ويستغرب مواطنون من تأخر تفعيل الإشارات، ويتساءلون بإلحاح:
* كيف تُفعَّل الإشارات في دول تعاني حروبًا بينما تتوقف في بلدٍ يستعيد استقراره؟
* لماذا ينجح هذا المشروع في بعض مناطق أمانة العاصمة بينما يتعثر في بقية المحافظات؟
* هل يكفي تحديد موعد نهائي (نهاية 2024) دون خريطة طريق تُنفذ على أرض الواقع؟
ختامًا نقول، أن الإشارات الضوئية ليست مجرد "أضواء" تُنظم السير، بل هي مؤشرٌ على عودة الحياة النظامية إلى المدن. التحدي اليوم ليس تقنيًا فحسب، بل إرادي. فالعزم على تنفيذ المشاريع، ووضع المواطن كأولوية، هما الكفيلان بتحويل الوعود إلى واقع.
السؤال الذي ينتظر إجابة: هل ينتهي انتظار العراقيين بعد ان شارفنا على انتهاء نصف 2025، أم سيطول بهم العهد؟!