في كتابة الشعر مهما كان شكله وطبيعة اللغة التي يستخدمها ، لا بدَّ أن تكون الصياغات الجُمليّة والتراكيب اللغوية ومن ثم تشكيل الصورة الشعرية قائمة ً إما على الوضوح المباشر الحسّي أو الدلالة الإيحائية أو التشاغل الرمزي ، وأحيانا ً يكون لما هو فكري دور في التلميح الذي يُشير إلى دلالة ما .
في كتابة القصيدة الشعبية ، وبخاصة بعد 2003 وقبل ذلك بسنوات أيضا ً، برزت ظواهربعيدة كل البُعد عن جماليات هذه القصيدة المتحققة في : اللغة ، الصورة ، البناء ، الرمز ، المناخ العام . وهذه الجماليات سبق وأن ابتكرتها التجربة النوابيّة الرائدة والتجارب اللاحقة لها على يد شعراء مثقفين في الستينيات والسبعينيات . في هذه الإشارة وجدت ُ من الضرورة أن أُشير إلى واحدة من هذه الظواهر ، ألا وهي ظاهرة الصياغات والتراكيب اللغوية غير المتجانسة وغير المترابطة لغة ً ودلالة ً، والتي لا تُفضي إلى معنى ً مباشر أو إيحائي أو تشكيل صوّري ، وبالتالي هي صياغات وتراكيب فائضة عن حاجة القصيدة والشعر .
وللتطبيق ، أُشير إلى قصيدتين منشورتين على هذه الصفحة يوم الخميس الثاني من أيلول الجاري ، وهما : الخرايط – جواد الدراجي ، من وراء السرياليّة – ضياء محسن .
إن َّالغاية من هذه الإشارة ، ليس الوقوف أمام اندفاع الشاعِرَيَن في الكتابة ، وهما صوتان يتقدمان ضمن المشهد بخطوات تتناسب مع تجربتهما ، وإنما لتوضيح ما غاب أو يغيب عن ممكناتهما الفنية واللغوية ، من أجل الملاحظة والانتباه والتجاوز .
القصيدتان لا توحيان من داخل نصّيهما بدلالة العناوين : الخرايط ، من وراء السريالية . والعنوان الثاني تحديدا ً كان مُقحما ً ومن غير تمكّن وادراك لمعنى : من وراء ، والسريالية .
أما الصياغات والتراكيب الفائضة والتي لا توّلد أو تُشكّل معنى ً محسوسا ً أو ايحائيا ً فهي على النحو الآتي :
قصيدة الخرايط : شته امشكَكَ ، ضلع الصدف ، صخور تغدر بالخواطر ، اشواكَ صلفه ، وجه شفّه ، ملكَه حلال ، كنز أحمر، نعثر بساجي ، مراسيلي الفصول .
من وراء السريالية : يكَعد السيف ، الخضار ايخضّر ابوحدَه ، الحقيقة اتبور ، الركَاب البالعطش تختل ، المنجل الفاسد ، اتحبّك الرجلين ، صهوة الأخلاق .
إن َّ تجاوز هكذا صياغات وتراكيب لغوية ، سيجعل من القصيدة القادمة لكليهما أكثر صفاء ً وأوسع ثراء ً وأدق توصيفا ً للمعنى والتشكيل الصوّرَي . وبالتالي التّماس مع الشعر وفكرة الشعر ...