اخر الاخبار

كانت ديالى مع إشراقة كل صباح تطل على نهرها الذي يحمل اسمها، كزهرة عاشقة تتأمل زينتها في مرآة من بلور أزرق! وهكذا تآلف النهر الساحر والمدينة الخضراء على مدى الازمنة والدهور، ليبدو نبض حياتهما نابعا من قلب واحد.

أسرار ورموز عصية على الوصف. فلا الكلمات ولا حتى القصائد استطاعت رسم لوحة وافية لما يدور بين النهر المتيم والمدينة العاشقة.

قبل سنوات باغتنا النهر بفيضان كبير. امتد الماء جسراً ما بين الضفة والضفة، قدم كموجة عشق ليبث الوجد في القلوب.  فهب اهل المدينة في مهرجان بهيج مهللين للفيضان القادم من بعيد، استقبلوه كزائر أثير، كضيف انتظروه طويلا.. غنوا له ورقصوا على سداده، ثم رافقوه حتى القرى البعيدة وهو يتموج بين البساتين موزعاً قبلاته على اشجار البرتقال!

اليوم، وبعد مرور سنوات على ذلك الفيضان، أرى النهر قد شاخ كثيراً، فقد مراياه البلورية الزرقاء ولم يعد يتموج بين البساتين، فبدى وكأنه أفعى جريحة تتخفى بين الأشنان والصخور.

في طفولتي كنت أظن إن للنهر روحاً، وله لغة لا يفهمها الا النخيل وأشجار البرتقال. وكنت أحسب النهر يتنفس، حتى إني في بعض الليالي المزدحمة بالنجوم، كنت أذهب الى الجرف العالي، لعلني أسمع هسيس صدر النهر.

ذات يوم وأنا في أعالي النهر، عند المنابع، روت لي سيدة مسنة أسطورة عن فتى وسيم من نسل الآلهة عشقته أناهيتا (آلهة المياه). ومن فرط حبها له سحرته فتحول الفتى الوسيم الى نهر ساحر يجول بين أعمدة معبدها الكبير في “كنجاور”.

كثيرة هي أحزان الأنهار، لكن لا حزن كحزن هذا النهر. إذ فقد أحلامه في معبد أناهيتا واليوم يفقد عذوبته ولم تعد في ضفافه طراوة الايام الخوالي.

كم أخاف أن يأتي يوم أرى فيه النهر شيخا عجوزا، يطل من ناصية الجسر العتيق على الوادي العميق، وهو يروي لأحفاده قصة نهر عذب كان يمر من هنا!

عرض مقالات: