اخر الاخبار

هل تصبح السياسة الاستيرادية وسيلة لتهريب العملة الاجنبية؟ وإذا ما كانت الإجابة بالإيجاب فهل هي قاعدة عالمية أم محلية؟ إن الإجابة عن هذه التساؤلات تحيلنا بالضرورة إلى تتبع الوظيفة الأساسية للسياسة التجارية والاستيراد أحد وجوهها في أي بلد في عالم اليوم فإن التجارة تلعب دورا فعالا في مجمل عمليات التنمية الاقتصادية شريطة أن تحسن الحكومة إدارتها وأن تحقق غاياتها في خلق التوازن بين العرض والطلب وسد الفجوة بين الانتاج والاستهلاك وتصحيح الاختلالات الهيكلية في بنيتها.

 وإذا تتبعنا البحث عن الإجابة لما يجري في السوق العراقية فمن الأوْلى متابعة تصريحات وزارة التخطيط حيث أعلنت أن حجم الاستيرادات انخفضت في عام 2020 بمقدار 25 في المائة بفعل جائحة كورونا عن عام 2019 و58 في المائة عن عام 2018، والوزارة ذاتها أعلنت أن قيمة الاستيرادات في عام 2020 بلغت 15 مليار دولار وهذا الرقم يبتعد عن معطيات البنك المركزي حينما قام الأخير بتحويل 40 مليار دولار في عام 2020 وهنا ينهض السؤال المهم أين ذهب الفارق ومقداره 25 مليار دولار؟ فهل المشكلة في حسابات وزارة التخطيط أم في حسابات البنك المركزي أم في الطرق والآليات التي تدار بها سياسات الاستيراد  التي تحوم الشكوك حولها  منذ عام  2006  حيث توضحت معالم ادارة نافذة البنك المركزي  التي تعرضت لانتقادات محافظ البنك المركزي علي محسن العلاق قبل غيره،  اذ أكد أن أسلوب النافذة لم يكن الوسيلة الوحيدة لبيع الدولار وأن العراق من البلدان القلائل التي تلجا إلى هذا الأسلوب، وهو نفسه من انتقد الآليات المعتمدة في بيع العملة وتقلبها من الحوالات إلى الاعتمادات المستندية ثم الرجوع إلى نظام الحوالات. وبحسبة بسيطة فإن المبالغ المباعة من الدولار منذ عام 2006 بلغ مجموعها أكثر من 500 مليار دولار أو يزيد ولم يطرح في السوق من البضائع نصف هذه القيمة، لهذا كانت النافذة متهمة من قبل البرلمانيين واللجنة البرلمانية بكونها أداة لتهريب العملة عن طريق التزوير والتهرب عن دفع الضرائب وهكذا.

لقد شهدت السياسات الاستيرادية المتبعة في العراق منذ التغيير الكثير من العيوب واسهمت بشكل واضح في خلق الأزمة المالية والاقتصادية التي تعرضت لها البلاد، ولم تقم الحكومات المتتالية بمراجعة هذه السياسات ووضع المعالجات اللازمة لها على الرغم من مزاعم الاصلاح الاقتصادي مع أول تشكيل للحكومة حتى أن تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومذكرات الأخير تشير إلى عدم جدية الحكومة في القيام بعملية اصلاح حقيقية ومحاربة الفساد الذي يقف كعامل حاسم في تدهور الاقتصاد وتراكم ازماته.

ولا يقتصر خطل السياسة التجارية على ما تقدم من أوجه وانما يشمل أيضا غياب التوازن في شكل العلاقات الاقتصادية الخارجية وما صاحبها من ترك السوق لمخالب سياسات الاغراق وتعليق القوانين الحمائية  للإنتاج المحلي وبذلك تحول قطاع التجارة الخارجية إلى مشكلة اضافية للاقتصاد العراقي من جراء اختلال هيكل التجارة العراقية في ظل ارتفاع حجم الاستهلاك على حساب الانتاج والادخار والتركيز بشكل خاص على تصدير النفط الذي يشكل 99 في المائة من قيمة اجمالي الصادرات وفي نفس الوقت يستورد العراق المنتجات النفطية بالعملة الصعبة وبهذا يعيد تدوير جزء من الايرادات النفطية إلى الخارج فماذا حدا مما بدا؟

  إن الحفاظ على العملة الصعبة من محاولات التهريب بطرق ملتوية  يتطلب التنسيق الكامل بين السياستين المالية والنقدية في قطاع التجارة الخارجية وطالما أن العراق يعتمد على الاستيراد اكثر من التصدير فلابد والحالة هذه من مراجعة قرار زيادة سعر الدولار ومراجعة طريقة ادارة نافذة البنك المركزي ومنع الاستيراد كوعاء لتهريب العملة والجدية التامة في تنويع الاقتصاد العراقي والتقليل من الاعتماد على النفط كمورد رئيسي للدخل مع التأكيد على اتباع استراتيجية الاكتفاء الذاتي من المنتج المحلي عبر تفعيل قوانين الحماية والتعرفة الجمركية.

عرض مقالات: